مع تصاعد دعوات الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. لماذا تعاقب أمريكا السلطة الآن؟

في توقيت يثير التساؤلات، أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، فرض عقوبات على مسؤولين في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، في خطوة عدّها مراقبون استهدافًا مباشرًا للتحرك الفلسطيني المتنامي في الساحة الدولية، خاصة مع اقتراب موعد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، والذي يُنتظر أن يشهد اعترافات جديدة بدولة فلسطين من دول أوروبية فاعلة.

العقوبات التي تمثلت في رفض منح التأشيرات لعدد من المسؤولين الفلسطينيين، جاءت على خلفية اتهامات أمريكية للسلطة والمنظمة بـ”التحريض على العنف” و”تمجيد الإرهاب”، وهي مبررات تكررت في الخطاب الأمريكي في السنوات الأخيرة، لكن السياق السياسي والدبلوماسي الحالي يضع هذه الخطوة في إطار أوسع وأخطر.

تحرك فلسطيني متسارع في ملف الدولة

تزامن الإعلان عن العقوبات مع اتساع رقعة الدول المؤيدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في مقدمتها فرنسا وإسبانيا وإيرلندا، وهي خطوة تعارضها واشنطن وتل أبيب بشدة، معتبرة أنها “تكافئ الإرهاب”، على حد وصف المسؤولين الإسرائيليين.

وتشير التصريحات الأمريكية إلى رغبة واضحة في كبح التحركات الفلسطينية على المستوى الدولي، لا سيما في ظل تنامي الزخم نحو الاعتراف الأممي بدولة فلسطين، بما في ذلك مؤشرات على دعم محتمل من داخل أروقة الأمم المتحدة نفسها.

الخارجية الأمريكية تبرر العقوبات على السلطة الفلسطينية

وزارة الخارجية الأمريكية بررت العقوبات بالقول إنها تأتي ضمن “حماية الأمن القومي الأمريكي”، متهمة السلطة ومنظمة التحرير بمواصلة دعم ما سمّته “الإرهاب”، بما في ذلك عبر المناهج التعليمية والخطاب الرسمي.

وقالت الوزارة في بيان رسمي إن واشنطن “تتخذ هذه الخطوة لمحاسبة الجهات التي تواصل تقويض فرص السلام”، في إشارة إلى رفض السلطة الفلسطينية الاستجابة للمقترحات الأمريكية بشأن غزة وعملية السلام.

عقوبات تضرب شرعية منظمة التحرير

تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وتُعد الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. وبالتالي، فإن استهداف قياداتها بعقوبات أمريكية يحمل بعدًا استراتيجيًا يهدد بتقويض شرعيتها الدولية، في لحظة سياسية مفصلية للقضية الفلسطينية.

ويرى محللون أن العقوبات ترسل رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لا تدعم أي تمثيل فلسطيني خارج عن الإطار الذي ترضى عنه إسرائيل، وهو ما ينعكس في الدعم الأمريكي غير المحدود للحكومة الإسرائيلية رغم الانتقادات العالمية لسلوكها في غزة.

أول تعليق فلسطيني على العقوبات الأمريكية

في أول رد فلسطيني رسمي، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبويوسف، أن العقوبات الأمريكية “دعم فاضح للاحتلال الإسرائيلي ولحرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة”.

وأضاف بحسب وسائل إعلام أن هذه الخطوة تمثل “محاولة لطمس القضية الفلسطينية”، وتستهدف “ضرب التمثيل الفلسطيني” قبيل الاعتراف الدولي المرتقب بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.

المبعوث الأمريكي يزور إسرائيل

جاء الإعلان عن العقوبات متزامنًا مع زيارة المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف إلى إسرائيل، في محاولة لإحياء مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، ومعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.

ويُنظر إلى الزيارة باعتبارها جزءًا من استراتيجية أمريكية تهدف إلى إدارة الصراع لا حله، مع إبقاء السلطة الفلسطينية تحت الضغط السياسي والدبلوماسي.

دلالة توقيت العقوبات الأمريكية على السلطة الفلسطينة

وفق مراقبون فإن توقيت العقوبات لا يمكن فصله عن السياق السياسي الدولي الحالي، والذي يشهد تصاعدًا في الاعتراف بالقضية الفلسطينية خارج الأطر الأمريكية. فالولايات المتحدة، التي طالما احتكرت إدارة ملف السلام، ترى في أي تحرك فلسطيني خارج مظلتها تهديدًا مباشرًا لنفوذها، ومحاولة لـ”تدويل القضية” على نحو يضعف الموقف الإسرائيلي.

وبالتالي، فإن فرض عقوبات على قيادات السلطة والمنظمة ليس مجرد إجراء عقابي، بل رسالة ردع دبلوماسية مفادها أن أي محاولة فلسطينية للبحث عن بدائل دولية ستُقابل بالتضييق السياسي، وربما المالي لاحقًا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى