مفاجأة تهز العالم.. أكبر مُصدِّر للأطفال يعترف بالاحتيال

لأول مرة، أقرَّت كوريا الجنوبية رسميًا بالاحتيال في عمليات التبني، وبالممارسات الخاطئة واسعة النطاق التي ارتُكبت في نظام التبني، لا سيما في العقود التي تلت الحرب الكورية.
ووفقا لتقرير نيويورك تايمز، يأتي هذا الكشف بعد تحقيق موسع أجرته لجنة الحقيقة والمصالحة في كوريا الجنوبية، والذي كشف عن نمط مقلق من الاحتيال والإهمال من جانب وكالات التبني، لا سيما في تعاملها مع الأطفال المُرسلين إلى الخارج.
أثارت هذه النتائج غضبًا بين المُتبنّين الكوريين الجنوبيين، الذين أمضى العديد منهم سنوات في حملات من أجل كشف حقيقة قصص تبنيهم.
الاحتيال في عمليات التبني: إرث مُخزٍ من الخداع
يرسم تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة صورة قاتمة لممارسات التبني في كوريا الجنوبية خلال فترة ما بعد الحرب. بين عامي 1953 وثمانينيات القرن الماضي، أصبحت كوريا الجنوبية أكبر مُصدّر للأطفال للتبني الدولي في العالم، حيث أُرسل حوالي 200 ألف طفل إلى الخارج، معظمهم إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
كشفت اللجنة عن تورط وكالات التبني في ممارسات خاطئة جسيمة، بما في ذلك تزوير وثائق لجعل الأطفال يبدون أيتامًا بينما كان آباؤهم وأمهاتهم على قيد الحياة. وفي بعض الحالات، استُبدل الأطفال المتوفون بأطفال آخرين، وتجاهلت الحقوق القانونية للأسر.
شرح التقرير أيضًا كيف كانت لوكالات التبني سيطرة كبيرة على مصائر الأطفال، حيث كان رؤساء الوكالات يتصرفون كأوصياء قانونيين، ويوقعون على الأطفال للتبني دون موافقة سليمة. وقد سهّل هذا النقص في الرقابة والمساءلة على هذه الوكالات الاستفادة من عملية التبني الدولي، وفرض رسوم باهظة على الآباء المتبنين، واستغلال الأطفال والأسر الضعيفة في كوريا الجنوبية.
نصرٌ طويل الأمد للمتبنين
يُمثل التقرير انتصارًا بشق الأنفس للمتبنين الكوريين الجنوبيين في الخارج الذين أمضوا سنوات في الضغط من أجل إجراء تحقيق رسمي. عاد العديد من المتبنين إلى كوريا الجنوبية للمطالبة بالاعتراف والمساءلة عن الممارسات الخاطئة التي أثرت على حياتهم.
أعرب بيتر مولر، وهو متبنٍّ كوري جنوبي من الدنمارك وناشط بارز في مجال حقوق الطفل، عن أهمية نتائج اللجنة قائلاً: “هذه لحظة ناضلنا من أجلها… لا يمكن إخفاء الخداع والاحتيال والمشاكل المتعلقة بعملية التبني الكورية”.
وقد لاقت نتائج اللجنة صدىً عميقاً لدى المتبنين مثل أنيا بيدرسن، التي أُرسلت إلى الدنمارك عام 1976 باسم فتاة متوفاة أخرى. وأكدت بيدرسن على أهمية الاعتراف، على الرغم من علمها بالفظائع لسنوات، كشكل من أشكال الإقرار بما عانوه.
اقرأ أيضًا: سياسات ترامب التجارية تحت المجهر.. كيف تضر بالاقتصاد الأمريكي؟
الاحتيال في عمليات التبني: صناعة مربحة على حساب الأطفال
ومن أكثر ما كُشف عنه صادماً أن وكالات التبني حوّلت عملية التبني بين الدول إلى صناعة مدفوعة بالربح. في عام 1988، فرضت وكالة الخدمات الاجتماعية الكورية رسوم تبني قدرها 1500 دولار أمريكي، بالإضافة إلى مدفوعات إضافية للتبرعات، وهو مبلغ أعلى بكثير من متوسط الدخل القومي لكوريا الجنوبية في ذلك الوقت.
أُعيد استثمار هذه الرسوم في تأمين المزيد من الأطفال للتبني، مما أدى إلى استمرار دائرة الاستغلال.
كما نشر التقرير صورًا مروعة لأطفال مقيدين في مقاعد الطائرات، في إشارة إلى كيفية إرسالهم إلى الخارج “كأمتعة”. في ذروة هذه العملية عام 1985، تم تبني أكثر من 8800 طفل كوري جنوبي دوليًا في عام واحد، وهو انعكاس صارخ لحجم هذه العملية. بالنسبة للعديد من المتبنين، يُعد فضح هذه الممارسات خطوة مؤلمة ولكنها ضرورية لمواجهة ماضيهم.
الاحتيال في عمليات التبني: رد الحكومة ودعوات الاعتذار
في حين تفتقر لجنة الحقيقة والمصالحة إلى السلطة اللازمة لمقاضاة وكالات التبني المتورطة، فقد دعت الحكومة الكورية الجنوبية إلى إصدار اعتذار رسمي وتحمل مسؤولية انتهاك حقوق المتبنين. تُعدّ نتائج اللجنة خطوةً حاسمةً في الاعتراف بالإخفاقات المنهجية التي سبّبت معاناةً جسيمةً للعديد من العائلات.
حكومة كوريا الجنوبية مُلزمةٌ قانونًا باتباع توصيات اللجنة، ويأمل المُتبنّون أن يُفضي ذلك إلى مزيدٍ من الخطوات نحو العدالة. وقد شدّدت رئيسة لجنة الحقيقة والمصالحة، سون يونغ بارك، على أهمية الاعتراف بهذه الانتهاكات، قائلةً: “ما كان ينبغي أن تحدث هذه الانتهاكات أصلًا”.
التداعيات الدولية: التحقيقات في الدول المُستقبِلة
أدّت نتائج اللجنة إلى إجراء تحقيقاتٍ في العديد من الدول المُستقبِلة، بما في ذلك النرويج والدنمارك، اللتان استقبلتا منذ فترةٍ طويلة أعدادًا كبيرةً من الأطفال الكوريين الجنوبيين. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة، التي تبنّت أكبر عددٍ من الأطفال من كوريا الجنوبية، لم تفتح بعدُ تحقيقًا رسميًا في هذه الممارسات.
أعربت ميا لي سورنسن، وهي متبنّاة من كوريا الجنوبية من الدنمارك، عن ارتياحها للنتائج، مشيرةً إلى أنها وفرت لها الإثبات الذي كانت تسعى إليه لسنوات. سورنسن، التي أُرسلت إلى الدنمارك عام 1987، اكتشفت خلال بحثها عن والديها البيولوجيين أن وكالة التبني قد زوّرت شهادة وفاتها. وقد دفعت هذه الاكتشافات متبنّين آخرين إلى المطالبة بمزيد من التحقيقات في قضاياهم.
المزيد من التحقيقات والطريق إلى الشفاء
على الرغم من أن لجنة الحقيقة والمصالحة قد اعترفت بـ 56 متبنّى كضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن التحقيق لا يزال جاريًا، حيث طلب 367 متبنّى من الخارج مراجعة قضاياهم. ويأمل الكثيرون أن يؤدي عمل اللجنة إلى اعتراف أوسع وتحقيقات أشمل في قضايا أخرى تتعلق بالاحتيال وسوء الممارسة.
بالنسبة للعديد من المتبنّين، تُمثّل نتائج اللجنة بداية رحلة نحو الشفاء والعدالة. ومع ذلك، بالنسبة لآخرين مثل ماري باورز، التي تبنّتها عائلة في كولورادو عام 1982، لا يزال الطريق أمامهم غامضًا.
تستمر في البحث عن إجابات للتناقضات في أوراق تبنيها، معربة عن أملها في أن تؤدي التحقيقات الإضافية إلى إغلاق الملف الذي تسعى إليه هي وكثيرون غيرهم بشدة.