مفاوضات قسد ودمشق.. هل تعيد واشنطن رسم خريطة السلطة في سوريا؟
شهدت العاصمة السورية دمشق اجتماعًا رفيع المستوى جمع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك وسفير واشنطن لدى أنقرة، إلى جانب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وممثل وزارة الخارجية الأمريكية في مناطق شرقي الفرات.
الاجتماع يأتي في إطار تنفيذ اتفاق مارس الموقع قبل أربعة أشهر بين الحكومة السورية و”قسد”، برعاية أمريكية مباشرة، والذي نصّ على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في مناطق شمال شرق البلاد ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما يشمل المعابر الحدودية، المطارات، وحقول النفط والغاز.
اتفاق الدمج يعود إلى الواجهة
سبق هذا اللقاء لقاءٌ آخر بين وفد من “الإدارة الذاتية” ومسؤولين حكوميين في قصر تشرين، خُصص لبحث آليات تطبيق الاتفاق، الذي يُعد واحدًا من أبرز محاولات التقارب بين الطرفين منذ بدء الأزمة السورية.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا”، فقد جددت الحكومة السورية في بيان رسمي موقفها الثابت من وحدة البلاد، مؤكدة أن “الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن”، ومرحبة بانضمام مقاتلي “قسد” إلى صفوفه ضمن الأطر القانونية والدستورية.
دمشق: لا للفدرالية ولا للتقسيم
البيان السوري شدد على أن “أي رهان على المشاريع الانفصالية أو الأجندات الخارجية هو رهان خاسر”، مؤكدًا رفض الدولة القاطع لأي شكل من أشكال الفدرلة أو التقسيم.
ودعا إلى إعادة جميع مؤسسات الدولة إلى مناطق الإدارة الذاتية، بما فيها الصحة والتعليم والخدمات والإدارة المحلية، بوصفها خطوة أساسية لإنهاء الفراغ الإداري وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
كما أشار البيان إلى أن “المكون الكردي كان ولا يزال جزءًا أصيلًا من النسيج السوري”، مؤكدًا أن الدولة تصون وتحترم حقوق جميع السوريين ضمن مؤسساتها، لا خارجها.
الخلاف مستمر بين قسد ودمشق
من جانبه، كشف المبعوث الأمريكي توماس باراك، في تصريحات لوكالة “أسوشييتد برس”، أن الخلاف الرئيسي بين الحكومة السورية و”قسد” لا يزال قائمًا، ويتمثل في إصرار الأخيرة على الحفاظ على هيكليتها ككيان موحد داخل الجيش السوري، وهو ما ترى فيه دمشق تهديدًا لبنية المؤسسة العسكرية.
باراك قال إن “قسد تُعتبر شريكًا فعّالًا في محاربة تنظيم داعش”، وإن مقاتليها “يأملون في ضمان اندماج يحفظ لهم الاحترام داخل مؤسسات الدولة”، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن “الطريق الوحيد أمام قسد هو دمشق”، مؤكدًا أن الفيدرالية “ليست خيارًا قابلًا للتطبيق في سوريا”.
لا انسحاب أمريكي في المدى القريب
وفيما يخص الوجود العسكري الأمريكي، أوضح باراك أن إدارة الرئيس دونالد ترامب “لا تستعجل الانسحاب الكامل من سوريا”، مشددًا على أن بلاده “تثق بشكل كامل بالحكومة السورية الجديدة وجيشها”، في إشارة إلى التحولات الجارية في هيكل السلطة والمؤسسة العسكرية.
تصريحات المبعوث الأمريكي حملت إشارات واضحة إلى دعم واشنطن لتوحيد مؤسسات الحكم في سوريا، بما في ذلك دمج القوى العسكرية غير النظامية، شريطة أن يتم ذلك ضمن إطار الدولة المركزية وبعيدًا عن الأطر الفدرالية أو الانفصالية.
مسار تفاوضي معقّد بين قسد ودمشق
مصادر سياسية مطلعة أشارت إلى أن المفاوضات بين الجانبين لا تزال في مراحلها التمهيدية، وأن الولايات المتحدة تضطلع بدور ضامن وضاغط في آن معًا، بهدف التوصل إلى صيغة توافقية تُنهي حالة الانقسام الإداري والعسكري بين دمشق ومناطق الإدارة الذاتية.
وبحسب المصادر، فإن هناك “حذرًا متبادلًا” بين الطرفين، حيث تخشى قسد فقدان مكتسباتها في حال الذوبان الكامل داخل أجهزة الدولة، في حين تصر دمشق على أن السيادة لا تتجزأ، وأن أي كيان موازٍ لا يمكن أن يُعترف به ضمن بنية الدولة السورية.
المشهد السوري إلى أين؟
في ظل هذه التطورات، تبدو سوريا مقبلة على مرحلة جديدة من التفاهمات السياسية والعسكرية، تقودها واشنطن وتديرها دمشق بحذر، فيما تحاول “قسد” الحفاظ على موقعها كلاعب أساسي في معادلة ما بعد الحرب.
غير أن المشهد لا يزال ضبابيًا، وسط غياب جدول زمني واضح لتنفيذ بنود الاتفاق، واستمرار التباينات حول شكل الاندماج العسكري والإداري، وبين تفاهم هش وتوتر قابل للاشتعال، تبقى خريطة السلطة في سوريا مرهونة بالتوافقات الدولية قبل المحلية.
اقرأ أيضا
ميليشيات تلاحق اللاجئين على الحدود.. ماذا يحدث بين بولندا وألمانيا؟