مقاتلون أكراد يحرقون أسلحتهم في خطوة نحو السلام مع تركيا.. مراسم تاريخية لإنهاء الصراع

في مراسم دراماتيكية ورمزية في جبال شمال العراق يوم الجمعة، أحرق عشرات المقاتلين الأكراد أسلحتهم علنًا، مُشيرين إلى أول خطوة ملموسة نحو السلام في صراع تركيا المستمر منذ أربعة عقود مع حزب العمال الكردستاني.

يُمهّد نزع السلاح، وهو الأول من نوعه منذ استئناف محادثات السلام العام الماضي، الطريق لإنهاء دائم لواحدة من أكثر حركات التمرد دموية في المنطقة – صراع أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ ثمانينيات القرن الماضي.

مراسم نزع السلاح: لحظة محورية

أظهرت صور من الحدث رجالًا ونساءً يرتدون ملابس مموهة، ويحملون بنادق وقاذفات قنابل صاروخية، وهم يصعدون إلى منصة مؤقتة أمام صورة عملاقة لزعيمهم المسجون، عبد الله أوجلان. تحت أعين المراقبين الدوليين، وضع المقاتلون أسلحتهم وذخائرهم في حاوية معدنية كبيرة، وأشعلوا فيها النار، في عرضٍ واضح لالتزامهم بالسلام.

وأعلن المقاتلون، في بيانٍ نشرته وكالة أنباء تابعة لحزب العمال الكردستاني، أنهم يُدمّرون أسلحتهم “بمحض إرادتهم”، مُعلنين بدء فصلٍ جديد: “نحن على استعدادٍ لمواصلة نضالنا من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية من الآن فصاعدًا من خلال السياسات الديمقراطية والقانون”.

تأثير أوجلان ومسار نزع السلاح

يأتي هذا القرار بعد عامٍ من المفاوضات السرية، وبشكلٍ رئيسي بين المخابرات التركية وعبد الله أوجلان، الذي يقود حزب العمال الكردستاني من السجن منذ عام 1999. وفي فيديو نادر نُشر هذا الأسبوع، أعلن أوجلان نفسه انتهاء الحملة المسلحة للحزب، وهو ما يُمثل نقطة تحولٍ رئيسية في الحركة الكردية.

في حين لم يدعم جميع الأكراد الأتراك النهج المسلح لحزب العمال الكردستاني، إلا أن تحول أوجلان من المطالبة بإقامة دولة مباشرة إلى السعي إلى الحكم الذاتي والحقوق عبر القنوات الديمقراطية لاقى صدى واسعًا لدى المجتمع الكردي، حيث يواصل الكثير منهم السعي للحصول على اعتراف رسمي بلغتهم وثقافتهم.

أسئلة بلا إجابة والخطوات التالية

على الرغم من الاحتفالات، لا تزال أسئلة رئيسية بلا إجابة. لم يوضح المسؤولون الأتراك ولا مسؤولو حزب العمال الكردستاني مصير المقاتلين الذين تم نزع سلاحهم. رفضت السلطات التركية حتى الآن علنًا تقديم أي تنازلات مقابل نزع السلاح، لكن حفل يوم الجمعة يُلمّح إلى تقدمٍ مُحرز خلف الكواليس.

في بيانها الرسمي، وصفت الحكومة التركية نزع السلاح بأنه “خطوة ملموسة ومُرحب بها”، وأعلنت أن “نزع السلاح وحله بشكل لا رجعة فيه” سيتبعه إجراءات قانونية لدمج المقاتلين وضمان المساءلة، بالإضافة إلى جهود لتعزيز المصالحة الوطنية.

في غضون ذلك، يدفع السياسيون المؤيدون للسلام نحو تشكيل لجنة برلمانية للإشراف على عملية الانتقال. أكد بيسي هوزات، القيادي البارز في حزب العمال الكردستاني الذي حضر الحفل، أن “نجاح العملية يتطلب إصلاحات قانونية وتعديلات دستورية وقانونية هامة”.

الرهانات السياسية: مغامرة أردوغان

بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، لن يؤدي القضاء على تمرد حزب العمال الكردستاني إلى القضاء على أحد أكثر التهديدات الأمنية إلحاحًا في تركيا فحسب، بل سيُحقق أيضًا نصرًا سياسيًا تاريخيًا.

أشاد أردوغان بعملية السلام باعتبارها نقطة تحول محتملة، حيث قال للصحفيين الأسبوع الماضي: “إن إلقاء جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية سلاحها سيكون بداية مرحلة جديدة لتركيا، يسودها الأمن والديمقراطية والتنمية”.

في عهده، قدمت تركيا تنازلات تدريجية، مثل ترخيص محطات إذاعية باللغة الكردية والسماح بتعليم كردي محدود. ومع ذلك، قامت إدارته أيضًا بعزل العشرات من رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين، مما أثار انتقادات من السياسيين المؤيدين للأكراد الذين يطالبون بإصلاحات ديمقراطية حقيقية.

اقرأ أيضا.. بعد قرابة عامين من الصراع.. إسرائيل وحماس تتجهان نحو وقف إطلاق النار في غزة

منطقة تراقب: دعم واسع وتشكيك

لم يجذب حدث يوم الجمعة مسؤولين عراقيين وأتراك فحسب، بل أيضًا وفدًا من حزب الشعوب والديمقراطية المؤيد للأكراد في تركيا. قامت قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق بتأمين المنطقة، مما يؤكد الأهمية الدولية لهذه اللحظة.

ومع ذلك، فإن مصير عملية السلام على المدى البعيد يعتمد على الإرادة السياسية واستمرار الحوار. وبينما يتحرك حزب العمال الكردستاني رسميًا نحو حل نفسه – وهو ما أُعلن عنه في مؤتمر عُقد في مايو وأُعيد تأكيده في الفيديو التاريخي لأوجلان – يترقب الكثيرون في تركيا وخارجها لمعرفة ما إذا كانت هذه التعهدات ستُترجم إلى سلام دائم.

الأمل والحذر

يُعدّ حرق الأسلحة من قِبل المقاتلين الأكراد رمزًا بصريًا رائعًا للأمل بعد عقود من العنف وانعدام الثقة. وبينما يخوض كلا الجانبين عملية شاقة تتمثل في دمج المسلحين السابقين ومعالجة المظالم العميقة الجذور، يراقب العالم ليرى ما إذا كان الصراع الأطول أمداً في تركيا قد يصل إلى نهايته أخيراً ــ وما إذا كان عصر جديد من الأمن والديمقراطية والمصالحة يمكن أن يبدأ حقاً.

زر الذهاب إلى الأعلى