مليار دولار.. كرواتيا تتسلم آخر رافال ضمن صفقة 12 مقاتلة مستعملة من فرنسا

هبطت آخر طائرة رافال مقاتلة أحادية المقعد، في قاعدة زغرب-بليسو الجوية بالقرب من العاصمة الكرواتية، مُعلنةً بذلك إتمام صفقة استحواذ تاريخية للقوات الجوية الكرواتية.
12 طائرة رافال F3-R بأكثر من مليار دولار
يُمثل هذا التسليم الأخير لـ 12 طائرة رافال F3-R من فرنسا، في صفقة تُقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، أكثر من مجرد ترقية عسكرية روتينية لعضو صغير في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويُشير إلى طموح كرواتيا لتأكيد دورها كلاعب فاعل في الجناح الجنوبي الشرقي المضطرب للحلف، وهي منطقة تُخيم عليها التنافسات التاريخية وسباقات التسلح الناشئة.
وصول هذه المقاتلة متعددة المهام من الجيل الرابع +، والتي بنتها شركة داسو للطيران الفرنسية، لا يُحدث تحولاً في القدرات الجوية لكرواتيا فحسب، بل يُعيد أيضاً تشكيل التوازن الاستراتيجي في البلقان، حيث تغلي التوترات مع جيران مثل صربيا، التي تتطلع الآن إلى شراء طائرات رافال، تحت السطح.
طائرات رافال مستعملة!
بعد سنوات من المداولات وقيود الميزانية، وقّعت زغرب اتفاقية حكومية دولية مع فرنسا في نوفمبر 2021 لشراء 12 طائرة رافال F3-R مستعملة – 10 منها بمقعد واحد ونسختان بمقعدين – بالإضافة إلى أجهزة محاكاة وقطع غيار وتدريب.

كانت الصفقة، التي أُبرمت بعد أن قيّمت كرواتيا منافسين مثل طائرة إف-16 الأمريكية وغريبن السويدية، بمثابة تحالف استراتيجي مع فرنسا، وهي خطوة عززت نفوذ باريس داخل حلف شمال الأطلسي، وأبرزت جاذبية رافال مقارنةً بالطائرات الأمريكية وغيرها من الطائرات الغربية.
تُعدّ طائرة رافال F3-R، جوهر هذا الاستحواذ، معجزة تكنولوجية مُصممة للسيطرة على ساحات المعارك الحديثة. تتميز هذه المقاتلة ثنائية المحرك، ذات الأجنحة المثلثة، من إنتاج شركة داسو للطيران، بسرعة قصوى تبلغ 1.8 ماخ، وبنصف قطر قتالي يتجاوز 1000 ميل عند تجهيزها بخزانات وقود خارجية.
مميزات رافال الفرنسية
يوفر رادارها النشط الممسوح إلكترونيًا (AESA)، من طراز Thales RBE2، كشفًا وتتبعًا فائقين للأهداف، مما يُمكّن الطائرة من مواجهة تهديدات متعددة في آنٍ واحد.
يوفر نظام الحرب الإلكترونية في رافال، المعروف باسم SPECTRA، قدرات تشويش وتضليل متقدمة، مما يُعزز القدرة على الصمود في مواجهة الدفاعات الجوية المتطورة.
بفضل تسليحها بمزيج من صواريخ جو-جو مثل صاروخ Meteor بعيد المدى، وذخائر جو-أرض مثل صاروخ كروز SCALP، تتفوق رافال في مهام متنوعة: التفوق الجوي، والهجوم البري، والاستطلاع، وحتى أدوار الضربات النووية للقوات الفرنسية.
نفوذ متزايد للصناعات الدفاعية الأوروبية مقابل الأمريكية
بالنسبة للجمهور الأمريكي، يُبرز هذا التطور النفوذ المتزايد للصناعات الدفاعية الأوروبية، ويثير تساؤلات حول ديناميكيات الناتو المتطورة في عالم ما بعد الحرب الباردة.
بدأت رحلة كرواتيا إلى هذه اللحظة في أعقاب حربها من أجل الاستقلال عن يوغوسلافيا في التسعينيات، وهو صراع ترك ندوباً عميقة وعزماً على تحديث جيشها. لعقود، اعتمدت القوات الجوية الكرواتية على طائرات ميج-21 القديمة من الحقبة السوفيتية، وهي من بقايا حقبة غابرة عانت من أجل تلبية معايير الناتو.
مسؤول في القوات الجوية الكرواتية: انتقلنا من آلة كاتبة إلى حاسوب عملاق
ووصف مسؤول في القوات الجوية الكرواتية، في حديثه لوسائل الإعلام المحلية، عملية التحول بأنها “انتقال من آلة كاتبة إلى حاسوب عملاق”. إن قدرة رافال على دوريات البحر الأدرياتيكي، وتنفيذ ضربات بحرية، أو دعم عمليات الناتو، تمنح كرواتيا مرونة غير مسبوقة.
ونقل تقريرٌ صدر عام 2024 عن صحيفة هرفاتسكي فوينيك، وهي مطبوعة عسكرية كرواتية، عن طيار وصف قمرة القيادة الزجاجية وشاشة العرض المُثبتة على الخوذة في طائرة رافال بأنها “تشبه قيادة لعبة فيديو، ولكن بمخاطر حقيقية”.

كرواتيا تسعى لإضفاء طابع احترافي على جيشها
وتأتي هذه القفزة النوعية في القدرات في وقت تسعى فيه كرواتيا إلى إضفاء طابع احترافي على جيشها، متجاوزةً اعتمادها بعد الحرب على التجنيد الإجباري والمعدات القديمة.
كما يتماشى هذا الخيار مع الحسابات الاستراتيجية لكرواتيا: فالتحالف مع فرنسا يوفر نفوذاً سياسياً داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تسعى باريس إلى مزيد من الاستقلالية الدفاعية مع الحفاظ على التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي.
ومع ذلك، فإن أهمية رافال تتجاوز مجرد البراعة التقنية. يعكس قرار كرواتيا اختيار منصة فرنسية بدلاً من البدائل الأمريكية أو السويدية توجهاً أوسع نطاقاً للدول الأوروبية نحو تنويع شراكاتها الدفاعية.
فرنسا، الحريصة على مواجهة هيمنة الولايات المتحدة على سوق أسلحة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سوّقت رافال بقوة، وحصلت على عقود مع دول مثل اليونان ومصر والهند. تُعد الصفقة الكرواتية، وإن كانت أصغر حجماً، بمثابة نقلة دبلوماسية لباريس، إذ عززت دورها كمصدر رئيسي للأسلحة.
إقرأ أيضاً: مع تصاعد الصراع.. هل يمكن استخدام السلاح النووي بين الهند وباكستان؟