مناورة أم إدراك للواقع.. حزب الله يغازل ترامب بلغة المصالح | ما القصة؟

في تحوّل لافت في نبرة الخطاب السياسي، خرج نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، الشيخ نعيم قاسم، بتصريحات تحمل لهجة غير معهودة تجاه الرئيس الأمريكي ترامب.
وفي كلمة ألقاها بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، توجّه قاسم إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنبرة أقرب إلى البراغماتية منها إلى المواجهة، محذرًا إياه من الاستمرار في الارتهان لإسرائيل، ومشيرًا إلى أن فك الارتباط مع تل أبيب قد يفتح أمام واشنطن آفاقًا اقتصادية وتجارية واعدة في الشرق الأوسط.
خطاب غير مألوف من حزب الله تجاه ترامب
بحسب تقارير فإن الخطاب الذي جاء في ظل تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل، بدا أقرب إلى دعوة غير مباشرة لإعادة النظر في التموضع الأمريكي في الإقليم، خصوصًا أن قاسم خاطب ترامب بصفته “رجل أعمال” قبل أن يكون رجل سياسة، معتبرًا أن المصلحة الأمريكية الحقيقية لا تكمن في التحالف الأعمى مع تل أبيب.
وقال قاسم في كلمته:”ننصح الرئيس ترامب بأن أمامه فرصة للتحرر من إسرائيل، فهذا سيمنحه مجالًا أوسع للاستثمار في المنطقة”.
وأضاف: “الاستمرار بالعدوان الإسرائيلي لا يخدم الاستقرار الإقليمي، وهو ما ينعكس سلبًا على المصالح الأمريكية… إسرائيل تستغل هذا الدعم لتحقيق مصالحها فقط”.
سر تحول خطاب حزب الله تجاه ترامب
تصريحات قاسم لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق السياسي والعسكري الذي يعيشه الحزب، لا سيما في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، والتي طالت البنى التحتية الجنوبية وألحقت خسائر بشرية ومادية فادحة.
الضربات المركزة قلّصت من الحضور العسكري لحزب الله وأثّرت على بيئته السياسية والشعبية، ما دفع قيادته – على ما يبدو – إلى إعادة تقييم خطابها، واختبار نبرة أكثر مرونة في مخاطبة خصومها الدوليين.
وما يعزز هذا التوجه هو التراجع النسبي في الخطاب العدائي المباشر تجاه الولايات المتحدة، التي طالما وصفها الحزب بـ”الشيطان الأكبر”، مقابل تقديم مقاربة جديدة تراهن على “مخاطبة المصالح” بدلاً من “لغة المواجهة”.
توتر أمريكي-إسرائيلي… فرصة للمناورة؟
توقيت تصريحات نعيم قاسم ليس عفويًا. فبحسب تقرير نشرته صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، فإن العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمر بمرحلة فتور ملحوظة، نتيجة خلافات في ملفات عدة تتعلق بالشرق الأوسط، من بينها الملف النووي الإيراني، والتطبيع مع السعودية، والتعاطي مع حزب الله نفسه.
ونقلت الصحيفة عن خمسة مسؤولين أمريكيين، حاليين وسابقين، أن التباينات الشخصية والسياسية بين ترامب ونتنياهو باتت تؤثر على مستوى التنسيق بين الجانبين، في وقت تتزايد فيه الضغوط داخل الإدارة الأمريكية السابقة من الكلفة السياسية والاقتصادية المتصاعدة للدعم المطلق لإسرائيل.
هذه الفجوة، وإن كانت محدودة في تأثيرها التنفيذي المباشر، فإن حزب الله يسعى على ما يبدو لاستثمارها، عبر تقديم نفسه كطرف يمكن التفاهم معه من موقع “القوة السياسية” لا فقط باعتباره حركة مقاومة مسلحة.
بين الدولة والمقاومة… توزيع للأدوار
في كلمته، حرص قاسم على تأكيد أن “الدولة اللبنانية هي الجهة المسؤولة” عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، داعيًا إلى موقف أكثر جرأة في مجلس الأمن وفي الأطر الدولية، لكنه لم يتردد في التلويح بأن “الخيارات الأخرى موجودة”، في إشارة إلى إمكانية العودة إلى العمل العسكري إذا استمر التصعيد الإسرائيلي.
وفيما أحصى قاسم أكثر من 3300 خرق إسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار منذ توقيعه، بدا واضحًا أن الحزب يحاول إعادة تموضعه ضمن سياق يحفظ توازنًا دقيقًا بين حضوره العسكري وبين انخراطه في اللعبة السياسية اللبنانية والإقليمية.
مناورة إم إدراك واقع
وفق مراقبون تُظهر تصريحات نعيم قاسم أن حزب الله، وإن كان لا يزال متمسكًا بخطابه الثابت تجاه إسرائيل، إلا أنه يفتح نافذة صغيرة – وإن كانت رمزية – للتواصل مع الإدارة الأمريكية عبر لغة “المصالح المشتركة”. وهو تطوّر لا يمكن التقليل من دلالاته في لحظة إقليمية دقيقة، تحكمها توازنات هشة وتحالفات متغيرة.
فهل نحن أمام تحوّل استراتيجي في خطاب الحزب؟ أم مجرد تكتيك مؤقت لامتصاص الصدمة وإعادة التموضع؟
السؤال يبقى مفتوحًا، لكن الثابت أن حزب الله، رغم الحصار، لا يزال يجيد فنون المناورة.
اقرأ أيضا
رغم التهديدات والخطوط الحمراء.. هل تقترب أمريكا وإيران من اتفاق نووي جديد؟