من التوتر إلى الحوار.. تركيا واليونان تفتحان صفحة جديدة لبناء الثقة العسكرية

بعد عقود من التوترات الإقليمية والتصعيدات العسكرية المتكرِّرة، اجتمع مؤخرًا مسؤولون عسكريون من تركيا واليونان في لقاء وصفته مصادر دفاعية بأنه خطوة نحو بناء إجراءات الثقة المتبادلة، وذلك برعاية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يضع على رأس أولوياته خفض التوتر بين الدولتين العضوين في الحلف.

وقد اختتمت تركيا واليونان جولة جديدة من المحادثات في تسالونيكي، واليونان كجزء من تنفيذ تدابير بناء الثقة العسكرية الثنائية عام 2025 (CBMS) بهدف تخفيف التوترات الطويلة بين أعضاء الناتو.

قامت الوفود – التي تضم كبار الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين ومسؤولي الدفاع – بمراجعة اتفاقية CBMs المستمرة في السنوات السابقة وناقشت خارطة الطريق لعام 2026.

خلفية الصراع.. جذور تاريخية ونزاعات معاصرة

تعود جذور الخلافات بين تركيا واليونان إلى ملفات شائكة تمتد من قبرص المقسمة منذ 1974، إلى الخلافات حول السيادة البحرية في بحر إيجه وشرق المتوسط، وصولاً إلى قضايا التنقيب عن الغاز وترسيم الحدود البحرية والجوية.

وقد أدى هذا إلى اشتباكات دبلوماسية حادة، وتحركات عسكرية كادت أن تؤدي إلى مواجهة مباشرة، خاصة في عامي 2020 و2021.

قطع بحرية يونانية وتركية في بحر إيجه

اللقاء العسكري الأخير.. خطوة نحو بناء الثقة

بحسب وزارة الدفاع اليونانية، فقد عُقد اللقاء في أبريل 2025 في مقر الناتو في بروكسل، وشارك فيه وفدان عسكريان من البلدين. وناقش الطرفان إجراءات منع الحوادث العسكرية في بحر إيجه، وتحسين آليات الاتصال في الحالات الطارئة، بالإضافة إلى استئناف التدابير لبناء الثقة التي توقفت منذ عام 2020.

هل التعاون واقعي؟

من وجهة نظر عسكرية، التعاون بين تركيا واليونان يواجه تحديات كبيرة، منها:

تفاوت الأولويات الاستراتيجية: تركيا تسعى إلى تعزيز نفوذها البحري ضمن “الوطن الأزرق”، بينما ترى اليونان في ذلك تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

التحالفات العسكرية المتضاربة: رغم أنهما عضوان في الناتو، تميل اليونان أكثر إلى التحالف مع فرنسا وقبرص، بينما تتقارب تركيا أحيانًا مع روسيا وتحتفظ بعلاقات متوترة مع الاتحاد الأوروبي.

سفينة تركية تحتك بزورق حربي يوناني في بحر إيجه – أرشيف

القدرات العسكرية

اليونان وقّعت مؤخرًا صفقات لشراء مقاتلات رافال فرنسية وفرقاطات متطورة، مما يعزز دفاعاتها البحرية والجوية.

تركيا، رغم العقوبات الغربية، تطور صناعتها العسكرية الذاتية بما في ذلك مقاتلة KAAN وطائرات بيرقدار TB2، وتحافظ على وجود قوي في بحر إيجه.

هل نشهد تغييرًا في العقيدة العسكرية؟

يشير محللون عسكريون إلى أن مجرد عقد اللقاء بين العسكريين هو مؤشر على تغيّر تدريجي في العقيدة الأمنية للبلدين، أو على الأقل اعتراف بأن المواجهة المباشرة مكلفة جداً وغير مرغوبة في السياق الإقليمي والدولي الحالي، خاصة مع انشغال الناتو بالحرب في أوكرانيا وتوتر الأوضاع في الشرق الأوسط.

تعاون مؤقت أم تحول استراتيجي؟

حتى الآن، لا يمكن الجزم بأن تركيا واليونان تتجهان نحو تعاون عسكري فعلي، لكن اللقاء الأخير يعكس على الأقل رغبة في إدارة الخلافات عسكرياً بدلاً من تصعيدها. يبقى العامل الحاسم هو الاستقرار السياسي الداخلي في كلا البلدين، ودور الناتو كوسيط عسكري فاعل.

اقرأ أيضًا: أغلى 10 طائرات مقاتلة وأكثرها فتكًا في العالم.. من يتسيد السماء؟

زر الذهاب إلى الأعلى