من الحياد إلى التحالف.. سويسرا تُعيد تشكيل سياستها الدفاعية بقيادة فيستر

بدأت سويسرا تقوي علاقاتها الدفاعية رغم أنها معروفة تاريخيًا بموقفها الحيادي في النزاعات الدولية، لكنها بدأت إعادة النظر في نهجها الدفاعي التقليدي.

بقيادة وزير الدفاع الجديد مارتن فيستر، تستكشف البلاد توثيق العلاقات مع الناتو وجيرانها الأوروبيين، استجابةً للمخاوف المتزايدة بشأن المشهد الأمني ​​المتطور في أوروبا.

قبل شهرين فقط، كان فيستر، العقيد في الجيش ووزير الكانتون، دخيلًا على المشهد السياسي، وفرصته ضئيلة في تولي منصب الحكومة الفيدرالية المرموق. ومع ذلك، فإن فوزه الأخير على منافس أكثر تحفظًا دفعه إلى صدارة مناقشات السياسة الأمنية في سويسرا.

أوضح فيستر أنه على الرغم من أنه لا يدعو إلى انضمام سويسرا إلى الناتو، إلا أن زيادة التعاون والتدريبات العسكرية المشتركة مع حلفاء الناتو “ضرورية للغاية” لأمن البلاد.

مخاوف متزايدة بشأن ديناميكيات الأمن العالمي

يشير تعيين فيستر إلى تحول كبير في موقف سويسرا الدفاعي، مدفوعًا بمخاوف من تزايد عدم الاستقرار. وعلى وجه الخصوص، فإن الانسحاب المحتمل للولايات المتحدة من دورها التقليدي في الأمن الأوروبي – إلى جانب التهديدات المستمرة من روسيا – قد دفع سويسرا إلى التشكيك في موقفها الحيادي الراسخ.

أقر فيستر بعدم اليقين المحيط بالتوجه المستقبلي لحلف الناتو، مؤكدًا أن أمن سويسرا لم يعد مضمونًا فقط بسياستها التاريخية القائمة على عدم الانحياز.

يشير خبراء مثل جان مارك ريكلي، رئيس قسم المخاطر العالمية والناشئة في مركز جنيف للسياسة الأمنية، إلى أن موقف الولايات المتحدة المتغير في العلاقات عبر الأطلسي، بما في ذلك تقاربها المتزايد مع روسيا، قد أحدث صدمة في أوروبا، بما في ذلك سويسرا.

يتجلى إلحاح هذه المخاوف في تغير ملحوظ في الرأي العام. أظهرت دراسة حديثة أجرتها الأكاديمية العسكرية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ ومركز الدراسات الأمنية أن 53% من السويسريين المشاركين يؤيدون الآن توثيق العلاقات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بزيادة عن متوسط ​​43% خلال العقد الماضي.

اقرأ أيضا.. أوروبا تستكشف أقمارا صناعية للاستخبارات العسكرية لتقليل الاعتماد على أمريكا

سويسرا تقوي علاقاتها الدفاعية

تشمل مهام فيستر المبكرة المساعدة في صياغة أول استراتيجية أمن قومي لسويسرا على الإطلاق، والتي من المتوقع إصدارها بحلول صيف 2025.

تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحديد الأهداف الأمنية للبلاد واستكشاف التغييرات المحتملة في موقفها الدفاعي. ومن أبرز المناقشات في هذه الاستراتيجية الجديدة سياسات تصدير الأسلحة المثيرة للجدل في البلاد.

حاليًا، تحظر سويسرا تصدير الأسلحة إلى الدول المتورطة في صراعات نشطة، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا. وقد أثارت هذه السياسة انتقادات من دول أوروبية مثل ألمانيا، التي لم تتمكن من إعادة تصدير الأسلحة السويسرية الصنع إلى أوكرانيا.

أشار فيستر إلى نيته تخفيف قيود التصدير هذه، مما قد يمثل تحولًا كبيرًا في موقف سويسرا المحايد تاريخيًا.

خطط التوسع الاقتصادي والعسكري

كما يخضع الإنفاق العسكري لسويسرا للمراجعة. تهدف سويسرا إلى زيادة ميزانيتها الدفاعية من 0.7% إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. وتُشير هذه الزيادة، وإن كانت متواضعة مقارنةً بهدف حلف شمال الأطلسي (الناتو) البالغ 2% (والذي سيُرفع قريبًا)، إلى إدراك سويسرا لضرورة تعزيز قدراتها العسكرية في ظلّ تقلبات أوروبا المتزايدة.

بدأت سويسرا تقوي علاقاتها الدفاعية حيث قام الجيش السويسري بالفعل في إجراء تدريبات مشتركة مع النمسا وألمانيا المجاورتين، مُسجّلًا بذلك أول تدريبات عسكرية سويسرية على أرض أجنبية منذ عام 2003.

في حين تُشير هذه التطورات إلى زخم متزايد نحو تكامل عسكري أكبر مع أوروبا، فإن هذا التحول في استراتيجية الدفاع السويسرية لا يخلو من الانتقادات. فهناك قوى مؤثرة داخل البلاد ترغب في الحفاظ على حيادها، لا سيما في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022.

دفع بعض النشطاء والسياسيين اليمينيين باتجاه تعريف أوضح لحياد سويسرا في الدستور، داعين إلى أن تنأى البلاد بنفسها أكثر عن التحالفات العسكرية الدولية.

مستقبلٌ مُعقد للحياد السويسري

على الرغم من الزخم المتزايد وراء رؤية فيستر لتعزيز التعاون العسكري، يُحذّر الخبراء من أنه من غير المُرجّح حدوث تغييرات جوهرية في سياسة الدفاع السويسرية في المستقبل القريب.

أشار مسؤول سويسري إلى أن المشهد السياسي في البلاد يتسم بالبحث عن توافق، وأن الانقسامات العميقة حول التوجه المستقبلي لسويسرا تجعل أي تحوّل كبير أمرًا صعبًا.

من المرجح أن تستغرق عملية مواءمة سياسة سويسرا مع أطر الناتو والأمن الأوروبي سنوات، لا سيما بالنظر إلى هوية الحياد الراسخة في البلاد. تشير النقاشات الجارية داخل المجلس الاتحادي والبرلمان وبين الجمهور إلى أن تحول سويسرا عن موقفها الحيادي الراسخ سيكون تدريجيًا، إن حدث أصلًا.

زر الذهاب إلى الأعلى