من الفراعنة إلى 2025… كيف تخلصت مصر نهائيًا من الملاريا؟

في لحظة تاريخية، أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميًا أن مصر أصبحت خالية تمامًا من مرض الملاريا، لتطوي صفحة وباء رافقها منذ العصور الفرعونية، وتُتوَّج جهودًا امتدت لأكثر من قرن في مكافحة أحد أخطر الأمراض المنقولة عن طريق البعوض.

شهادة دولية بعد 100 عام من المكافحة
خلال الدورة الـ78 لجمعية الصحة العالمية في جنيف، تسلّم وزير الصحة والسكان الدكتور خالد عبد الغفار شهادة الإشهاد الدولي من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي وصف الخطوة بأنها “إنجاز تاريخي يُلهم دول المنطقة”، مؤكدًا أن المرض الذي كان يُرعب الفراعنة “بات جزءًا من الماضي وليس من المستقبل”.
تقول المنظمة إن مصر نجحت في وقف انتقال كل طفيليات الملاريا البشرية داخل حدودها، بعد تطبيق صارم لأنظمة الترصد والمكافحة على مدار سنوات طويلة.
بداية المعركة: من الأرز إلى البعوض
بدأت مصر جهود مكافحة الملاريا في عشرينيات القرن الماضي، حين اتُخذت قرارات بحظر زراعة الأرز قرب المناطق السكنية للحد من تكاثر بعوض الأنوفيلس، الناقل للمرض. وبحلول الثلاثينيات، أنشأت الحكومة أولى محطاتها لمكافحة الملاريا، وأظهرت دراسات عام 1936 أن نسب الإصابة في بعض المناطق كانت تتجاوز 40%، مثل القليوبية والدقهلية والبحيرة.
رغم الانخفاض التدريجي في الإصابات خلال العقود التالية، استمرت الدولة في تنفيذ برامج صارمة للفحص والتشخيص والعلاج، مدعومة بحملات توعية ومكافحة ناقلات المرض في المناطق الحدودية والريفية.
توت عنخ آمون والملاريا… اللغز الذي كشفه الحمض النووي
لطالما أحاط الغموض بوفاة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، الذي توفي في سن الـ19. وفي عام 2010، توصلت دراسة علمية نُشرت في مجلة JAMA إلى أن مومياء توت عنخ آمون كانت تحمل آثار طفيل الملاريا القاتل Plasmodium falciparum، ما يعزز الفرضية بأن الملاريا كانت أحد الأسباب المباشرة لوفاته.
الدراسة أظهرت أن المرض لم يكن حكرًا على الطبقات الفقيرة أو العامة، بل تسلل إلى البلاط الملكي نفسه. واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة آلاف عام، تغلق مصر هذا الملف نهائيًا بإعلان خلوها الكامل من الملاريا، في مشهد تاريخي يوحّد بين الماضي والحاضر.
مصر تنضم لقائمة الدول الخالية
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، أصبحت مصر الدولة رقم 44 عالميًا والثالثة في إقليم شرق المتوسط – بعد الإمارات والمغرب – التي تُمنح شهادة الخلو من الملاريا. وتُعد هذه الشهادة تتويجًا لثلاث سنوات متتالية من عدم تسجيل أي حالة انتقال محلية للمرض.

في تقرير نشرته BBC عقب الإعلان، وصفت الشبكة الإنجاز بأنه “علامة فارقة في تاريخ الصحة العامة لدولة يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة”، مشيرة إلى أن الأمر لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة جهد تراكمي بدأ قبل قرن من الزمن.
التزام بالمستقبل: مرحلة ما بعد القضاء
أكد وزير الصحة المصري أن المرحلة القادمة لا تقل أهمية عن ما سبق، إذ تتطلب الحفاظ على أعلى مستويات الجاهزية، والترصد المستمر لأي حالات وافدة، خاصة مع الحركة السياحية والتنقلات الإقليمية.
وأشار إلى أن مصر تعمل حاليًا على تعزيز قدرات الفرق الطبية، وتطوير نظم الاستجابة السريعة، إلى جانب خطط التوعية المجتمعية للحفاظ على الوضع الحالي وضمان عدم عودة المرض مجددًا.
إنجاز وطني بصدى عالمي
يأتي هذا الإعلان في وقت تعمل فيه مصر على تعزيز نظامها الصحي في إطار “رؤية مصر 2030”، ويُعد خطوة جديدة في سجل الإنجازات الصحية الكبرى، بعد حملات القضاء على فيروس سي، والتوسع في برامج التطعيم، ومبادرات “100 مليون صحة”.
اقرأ أيضا.. الظاهرة الإماراتية تبدأ توريد القمح من مزارع توشكى إلى مطاحن صعيد مصر
من حضارة واجهت الملاريا قبل آلاف السنين إلى دولة حديثة تنجح في القضاء عليها نهائيًا… هكذا تكتب مصر فصلًا جديدًا من تاريخها الصحي، وتُقدّم للعالم نموذجًا في الإرادة والمثابرة والنجاح.