من المنشد إلى الطبيب.. كيف اخترقت إسرائيل حصون حزب الله؟

لم تكن قضية اعتقال المنشد الديني محمد صالح بتهمة التخابر مع إسرائيل إلا بداية سلسلة من الانهيارات الصامتة التي بدأت تضرب “حصون حزب الله” من الداخل.
فبعد أيام فقط، أوقف الأمن اللبناني محمود أيوب، الطبيب ومدير الشؤون المالية في مستشفى راغب حرب، بتهمة مماثلة، ما أعاد فتح السؤال الأخطر: كيف تمكنت إسرائيل من النفاذ إلى داخل بنية التنظيم الذي طالما تفاخر بحصانته الأمنية الصارمة؟
تجنيد في قلب منظومة حزب الله الدينية والطبية
وفق تقارير فإن ما يُثير القلق داخل أروقة حزب الله ليس فقط أسماء الموقوفين، بل مواقعهم، صالح لم يكن مجرد منشد ديني، بل منخرطًا في النشاط التعبوي للحزب، ومقرّبًا من دائرته الدينية.
أما أيوب، فكان يعمل في مؤسسة طبية تابعة مباشرة للحزب، ويُشتبه في أنه زوّد الموساد الإسرائيلي بمعلومات حساسة عن الجرحى والمصابين خلال المواجهات، في انتهاك صريح لخصوصية الميدان العسكري والطبي على حد سواء.
ضربات إسرائيل ضد حزب الله تتجاوز الميدان العسكري
الاختراقات لم تكن ذات طابع تجسسي عابر، بل كان لها أثر عملياتي مدوٍّ، إذ كشفت تقارير أن هذه المعلومات ساهمت في تنفيذ اغتيالات مركزة طالت قيادات مثل حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، إلى جانب عدد كبير من المسؤولين الميدانيين.
اللافت أن هذه الضربات لم تأتِ من خلال أجهزة تجسس تقليدية فقط، بل عبر قنوات بشرية “نظيفة المظهر” تغلغلت في بيئة الحزب تحت ستار الخدمات الدينية والطبية، ما يطرح سؤالاً وجوديًا حول فعالية منظومة الرقابة والتأمين الداخلي في الحزب.
شبكة جواسيس في قلب حزب الله
المعلومات المسربة من التحقيقات الأمنية تفيد بوجود شبكة قد تضم نحو 700 عضو منتشرين في بلدة حاروف وحدها، أحد أبرز معاقل الحزب في جنوب لبنان.
وهذا الرقم الهائل يشير إلى تغلغل عميق، ليس فقط في البنية التنظيمية، بل أيضًا في البيئة الحاضنة، التي طالما شكلت خط الدفاع غير الرسمي للحزب.
تفجيرات “البيجر”
الضربة الأعنف تمثلت في تفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) في سبتمبر الماضي، والتي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى.
هذه التفجيرات لم تكن نتيجة قصف أو توغل إسرائيلي، بل نتيجة معلومات تم تسريبها من داخل الحزب نفسه، وأدّت إلى زرع متفجرات ذكية تم تفجيرها عن بُعد.
أزمة حزب الله والجواسيس
في الأوساط الشعبية، بدأ الشك يتسرب. لم تعد الثقة الكاملة بالحزب كما كانت، وبدأت تخرج تساؤلات من البيئة الشيعية نفسها حول جدوى استمرار هذا النهج الأمني المتشدد الذي لم يحمِ التنظيم من اختراقات موجعة.
وبينما يصعّد الحزب من لهجته في الحديث عن “تصفية الجواسيس”، يتردد في الإعلان عن أسماء بعضهم، ربما تجنّبًا للفضائح السياسية أو تجنّبًا لتأزيم الوضع داخل بيئته.
رسائل إسرائيلية عابرة للحدود
وفق مراقبون فإن نجاح الموساد في الوصول إلى مواقع حساسة داخل “حزب الله” يحمل رسالة إسرائيلية مزدوجة: لا أحد في مأمن، ولا توجد “منطقة عسكرية مغلقة” في لبنان. هذه الاختراقات لا تقتصر على جمع المعلومات بل تهدف إلى تفكيك البنية النفسية والعقائدية للحزب من الداخل.
التساؤل اليوم في الداخل اللبناني، وفي طهران أيضًا، هو ما إذا كان حزب الله سيعيد النظر في آلياته الأمنية والتنظيمية. فالتساهل مع المحسوبين على “الثقة” أو التراخي في تدقيق حركة العناصر قد يكون كلف الحزب أعوامًا من التفوق المعلوماتي.
اقرأ أيضا
من مخيمات إدلب إلى قصور الأسد.. ماذا حقق الشرع بعد 6 أشهر في رئاسة سوريا؟