من “معاداة السامية” إلى “الحرب الصليبية”.. كيف تُرهب إسرائيل ماكرون وقادة أوروبا؟

في واحدة من أكثر الهجمات الدبلوماسية حدة منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة، اتهمت إسرائيل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشنّ “حرب صليبية على الدولة اليهودية”، بعد تصريحات أطلقها من سنغافورة دعا فيها إلى موقف دولي أكثر تشددًا تجاه تل أبيب في حال استمرار تدهور الوضع الإنساني في القطاع المحاصر.
وفق مراقبون فإن هذا التصعيد الإسرائيلي لم يكن معزولاً، بل يندرج ضمن نمط بات متكرراً في تعامل إسرائيل مع الانتقادات الأوروبية المتزايدة منذ بدء الحرب، حيث توظف تل أبيب تهم “معاداة السامية” و”التحريض على الكراهية” ليس فقط لشيطنة المعارضين، بل لترهيب القادة الأوروبيين والحد من أي تحرك سياسي يخرج عن الخط المؤيد بشكل مطلق لها.
ماكرون في مرمى نيران إسرائيل
وكان الرئيس الفرنسي لم يكتفِ بتوصيف الوضع في غزة بأنه لا يُحتمل، بل لوّح علناً بإمكانية فرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين، مؤكدًا التزام فرنسا بحل الدولتين كخيار وحيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. واعتبر أن الحصار المفروض على غزة بات يخلق “وضعًا لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيًا أو إنسانيًا”.
رد وزارة الخارجية الإسرائيلية جاء فورياً وعنيفاً. ففي بيانها الرسمي، نفت وجود “أي حصار إنساني”، ووصفت اتهامات ماكرون بـ”الكذب الفاضح”، مدعية أن إسرائيل استأنفت إدخال المساعدات إلى غزة، لكنها لم تكتفِ بالنفي، بل اتهمت ماكرون بأنه “يريد مكافأة الإرهابيين الجهاديين بمنحهم دولة فلسطينية”، مضيفة بسخرية لاذعة: “عيدها الوطني سيكون في السابع من أكتوبر”، في إشارة إلى هجوم حماس الذي أشعل فتيل الحرب.
إسرائيل واستراتيجية معاداة السامية
لم تكن فرنسا وحدها هدفاً لهذا التصعيد الإسرائيلي. فقبل أيام، اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، قادة أوروبيين بشكل مباشر بـ”التحريض على معاداة السامية”، رابطًا ذلك بحادثة إطلاق النار أمام متحف يهودي في واشنطن أدت إلى مقتل موظفين من السفارة الإسرائيلية.
ساعر لم يخفِ اتهاماته، بل قال صراحة إن “هذا نتيجة مباشرة لتحريض رسمي من قِبل دبلوماسيين ومسؤولين أوروبيين”، في مزج خطير بين النقد السياسي والمساس بالديانة اليهودية، وهو ما أثار استياء باريس التي ردت باعتبار تصريحاته “مشينة وغير مبررة”.
أوروبا بين ضغوط إسرائيل والحق الفلسطيني
توظيف إسرائيل لتهم “اللاسامية” ليس أمراً جديداً، لكن اللافت في هذه المرحلة أنها باتت تستخدمها حتى ضد حلفاء تاريخيين كفرنسا وألمانيا، في محاولة لردع أي تقارب أوروبي مع المبادرات الرامية للاعتراف بدولة فلسطينية، أو لفرض قيود على حكومة بنيامين نتنياهو.
ووفق تقارير دبلوماسية، تدرس باريس فعليًا الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية خلال مؤتمر دولي مشترك مع السعودية يُعقد في يونيو المقبل، وهي خطوة تراها تل أبيب “خطًا أحمر”، لأنها تمس جوهر خطتها القائمة على رفض أي مسار دولي يفرض عليها حلولاً سياسية.
إسرائيل وماكرون ما بعد “الحرب الصليبية”؟
وفق تقارير فإن انتقال إسرائيل من اتهام معارضيها بـ”التحريض” و”اللاسامية” إلى استخدام تعبيرات دينية ثقيلة مثل “الحرب الصليبية” يكشف حجم القلق الإسرائيلي من فقدان السيطرة على الرواية في الغرب.
لكن هذا الخطاب التصادمي قد يرتدّ على تل أبيب، خاصة إذا استمر الضغط الشعبي والسياسي الأوروبي المطالب بوقف الحرب، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في غزة.
في ظل هذا المناخ، تبدو أوروبا أمام لحظة اختبار حقيقية: إما التماهي مع خطاب التخويف الإسرائيلي، أو اتخاذ مواقف مستقلة تستند إلى القانون الدولي والعدالة الإنسانية. وما بين الاثنين، تقف فلسطين كقضية تعيد تشكيل ضمير العالم من جديد.
اقرأ أيضا
في وجه استيطان وجرائم إسرائيل.. هل يفتح ماكرون باب الدولة الفلسطينية؟