من ممالك النفط إلى الطاقة النظيفة.. دول عربية تتصدر سباق التحول الأخضر

تشهد الدول العربية تحولا نوعيا في سياساتها الطاقوية، مع تسارع وتيرة الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر.

ولم تعد مصادر الطاقة النظيفة مجرد خيار تكميلي، بل أصبحت مسارا استراتيجيا للتنمية المستدامة، وتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وتقود المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، والمغرب، والأردن، والجزائر، وسلطنة عُمان، هذه الموجة، عبر مشاريع ضخمة واستراتيجيات وطنية تُعبّر عن وعي استباقي بالتحديات المناخية والاقتصادية القادمة.

ووفقًا لتقرير “توقعات تحول الطاقة العالمي” الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، فإن المنطقة يمكن أن تعتمد على مصادر متجددة لتغطي 26% من احتياجاتها الأولية بحلول عام 2050.

بينما قد تصل مساهمة الطاقة النظيفة في إنتاج الكهرباء إلى 53%، مما سيسهم في خفض نحو 1.1 جيجا طن من انبعاثات الكربون سنويا.

السعودية.. رؤية 2030 تقود سباق الطاقة النظيفة

في طليعة هذا التحول، تقود السعودية زمام المبادرة من خلال استثمارات ضخمة تجاوزت 5.3 مليار دولار في مشاريع طاقة متجددة حتى نهاية 2024، بحسب الهيئة العامة للإحصاء.

وتشمل هذه المشاريع تسع محطات شمسية ومحطة واحدة لطاقة الرياح، بقدرة إجمالية تجاوزت 6,551 ميجاوات، تُغذي أكثر من 1.14 مليون وحدة سكنية.

ومن أبرز هذه المشاريع، محطة الشعيبة 2 الشمسية بسعة 2060 ميجاوات، التي تُدار بشراكة بين “بديل” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، وشركة “أكوا باور”. وتجسد هذه المشاريع مسار السعودية نحو تحقيق 70% من مزيج الطاقة من مصادر متجددة بحلول 2030.

كما أن مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر الذي تبلغ كلفته 5 مليارات دولار، يعد أكبر منشأة من نوعها في العالم، وينتج 600 طن يوميا من الهيدروجين الأخضر، بهدف دعم الصناعات العالمية منخفضة الكربون.

الإمارات.. نحو 100% طاقة نظيفة في دبي بحلول 2050

تعد دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول العربية التي وضعت استراتيجيات واضحة لتحقيق الحياد الكربوني، وتتبنى  مبادرة “صافي صفر 2050،” إلى جانب مشاريع ضخمة ترسخ ريادتها الإقليمية.

ومن خلال مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، تسير الإمارات بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها الطموح بإنتاج 100% من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول 2050.

وبطاقة مستقبلية تبلغ 5,000 ميجاوات واستثمارات تتجاوز 13.6 مليار دولار أمريكي، يعد المشروع الأكبر من نوعه في موقع واحد عالميا، ويسهم في تقليل الانبعاثات بأكثر من 6.5 مليون طن سنويا.

وفي أبوظبي، يأتي مشروع العجبان للطاقة الشمسية ليُعزز قدرات الإمارة، مع سعة تصل إلى 1,500 ميجاوات، ويغذي 160 ألف منزل، ويسهم في تحقيق هدف الدولة لخفض الانبعاثات بمقدار 2.4 مليون طن متري سنويا

مشروع تخزين الطاقة العملاق في أبوظبي، وهو الأول من نوعه عالميا بقدرة تخزين 19 جيجاوات/ساعة بحسب خبراء في الاقتصاد البيئي فإن “الإمارات باتت على خارطة القوى الكبرى في قطاع الطاقة المتجددة”.

مصر.. من خليج السويس إلى مركز طاقي إقليمي

تواصل مصر خطتها لتكون مركزا إقليميا للطاقة المتجددة، خاصة في طاقة الرياح؛ وقد حققت المشروعات في 2024-2025 قفزات كبيرة تنوعت بين بناء أكبر مزرعة رياح في البلاد بقدرة 2 جيجاوات في خليج السويس بالشراكة مع شركة أكوا باور، بتمويل يقدر بـ2.3 مليار دولار.

وذلك في أكبر مشروع رياح فردي في البلاد، يستهدف خفض نحو 3.5 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا .

كما عزز توقيع الإغلاق المالي لمشروع آخر بطاقة 1.1 جيجاوات في نفس المنطقة في يناير 2025، بتكلفة تمويلية بلغت 703.6 مليون دولار، ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجاري الكامل بحلول الربع الثاني من 2027.

ووقعت مصر أيضا اتفاقية مع شركة سكاتيك النرويجية لتشييد محطة شمسية بقدرة 1 جيجاوات بتمويل 600 مليون دولار، في خطوة تؤكد التزام القاهرة برفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول 2030،

وتعد الطاقة الشمسية ركيزة في استراتيجية مصر 2035، مع وجود مشروعات مثل محطة “بنبان” في أسوان، التي تعتبر من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم.

المغرب.. عملاق الطاقة المتجددة في شمال إفريقيا

على الرغم من موارده الطبيعية المحدودة مقارنة بجيرانه الخليجيين، يعد المغرب من الرواد العرب في تبني الطاقة المتجددة، وخاصة الشمسية والرياح.

ويعد مشروع نور ورزازات هو أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية المركزة في العالم، وقدرة المملكة المركبة من الطاقات المتجددة تجاوزت 4 جيجاوات بالفعل.

كما تسعى الرباط لرفع هذه القدرة إلى 52% من إجمالي الطاقة الكهربائية بحلول 2030، ضمن استراتيجية وطنية متقدمة تعتمد على الشراكات الدولية والاستثمارات الأوروبية.

الأردن.. نموذج تشريعي واستقلال طاقي طموح

يعتبر الأردن نموذجا مهما في الشرق الأوسط في تنظيم قطاع الطاقة المتجددة على المستوى التشريعي. فمن خلال قوانين مشجعة على الاستثمار، تمكن من تشغيل مشاريع ناجحة مثل مشروع طاقة الرياح في الطفيلة (117 ميجاوات) ومحطة المفرق الشمسية.

وكان الأردن قد حقق المرتبة الأولى في مجال الطاقة المتجددة ضمن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمرتبة الثالثة عالميا بعد كل من الصين والبرازيل من بين 71 دولة من مختلف أنحاء العالم، وذلك وفق تقرير مؤسسة بلومبرج البحثية عن وضع الطاقة النظيفة والمتجددة عام 2017.

ويهدف الأردن إلى أن يغطي 31% من استهلاك الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول 2030، مستفيدا من إشعاع شمسي مرتفع وبيئة تنظيمية داعمة.

الجزائر.. إمكانيات ضخمة في قلب الصحراء

تملك الجزائر أحد أكبر الإمكانات لتوليد الطاقة الشمسية في العالم، ومع ذلك، بدأت مؤخرا فقط في تفعيل هذه الثروة. ويمثل مشروع “سولار 1000” خطة وطنية لتطوير ألف ميجاوات من الطاقة الشمسية، بهدف التصدير إلى أوروبا وتقليل الاعتماد على الغاز.

وبفضل مساحتها الصحراوية الواسعة، تسعى الجزائر لتكون منصة أفريقية لتوزيع الطاقة الخضراء عبر شبكة كهروضوئية ممتدة.

عُمان.. طموح أخضر يقوده الهيدروجين

برزت سلطنة عُمان كلاعب جديد في مشهد الطاقة الخضراء، مع التركيز على الهيدروجين الأخضر كمصدر طاقة للمستقبل؛ إذ يسعى تحالف “صلالة للهيدروجين الأخضر” لإنتاج الأمونيا الخضراء، إلى جانب مشروعات طاقة رياح وشمس قيد التطوير.

وتطمح السلطنة لتوليد 30% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2040، مما يضعها في مصاف الدول المتقدمة في هذا القطاع.

الكويت.. خطوات استراتيجية لتعزيز مزيج الطاقة المستدامة

رغم تأخرها النسبي، بدأت الكويت بتبني خطوات استراتيجية لتعزيز مزيج الطاقة. تهدف إلى إنتاج 7600 ميجاوات من الطاقة المتجددة بحلول 2030، من خلال مشاريع في الشقايا والعبدلي بالتعاون مع شركاء صينيين.

كما تخطط لاستيراد ما يصل إلى 2500 ميجاوات من الطاقة النظيفة، بالتوازي مع التزامها بالحياد الكربوني بحلول 2060، وفق إعلانها في قمة “كوب 27”.

اقرأ أيضا.. وداعا لعصر النفط.. السعودية تشعل ثورة الطاقة المتجددة بأكبر استثمار على مستوى العالم بقيمة 8.3 مليار دولار

خارطة عربية جديدة للطاقة

وتشكل هذه المشاريع تحولا جوهريا في المشهد الطاقي العربي، وتكشف عن وعي استراتيجي بقيمة الاستدامة، ليس فقط كخيار بيئي، بل كفرصة اقتصادية واستثمارية ومصدر للنفوذ الجيوسياسي في عالم ما بعد النفط.

فالتحول العربي نحو الطاقة المتجددة ليس مجرد شعار، بل واقع ملموس تجسده الأرقام والمشاريع والاستراتيجيات الوطنية، وسط تنافس شريف يعيد صياغة مستقبل المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى