ميليشيات تلاحق اللاجئين على الحدود.. ماذا يحدث بين بولندا وألمانيا؟

تشهد الحدود بين ألمانيا وبولندا توترًا غير مسبوق، بعد ظهور مجموعات أطلقت على نفسها اسم “مجموعات الدفاع المدني”، وهي ميليشيات مدنية تتألف غالبًا من نشطاء يمينيين متطرفين، تسعى -بحسب ادعائها- إلى “حماية بولندا من تدفق المهاجرين غير النظاميين” الذين يتم إعادتهم من الأراضي الألمانية.
وتتمركز هذه المجموعات قرب نقاط التفتيش الحدودية، وتقوم بمطاردة المهاجرين عبر الحقول، وتثبيت خيام مراقبة، بل وتصل أحيانًا إلى احتجازهم وتصويرهم، في مشهد يعيد إلى الأذهان نماذج من الحراسة غير الرسمية التي غالبًا ما ترتبط بالفوضى والانفلات الأمني في مناطق النزاع.
صدام حكومي حول شرعية الميليشيات
وفق تقارير فإن الموقف الرسمي في وارسو بدا منقسمًا. ففي الوقت الذي شدد فيه رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على أن هذه المجموعات “غير قانونية” و”مخلّة بالنظام العام”، وأمر بتفكيكها فورًا.
جاء رد فعل رئيس البلاد المحافظ مغايرًا، حيث وجه تحية علنية إلى هذه الميليشيات واعتبر نشاطها “مبادرة وطنية لحماية الأرض”.
هذا التناقض على أعلى المستويات السياسية في بولندا يُغذي مخاوف من أن تتحول هذه المجموعات إلى أدوات ضغط سياسي في أيدي اليمين المتطرف، وسط اتهامات متزايدة للحكومة بالخضوع لسياسات برلين بشأن اللاجئين.
نقاط تفتيش مؤقتة ومواجهات ميدانية
في نهاية يونيو 2025، أقامت الحكومة البولندية 52 نقطة تفتيش على الحدود مع ألمانيا، و13 أخرى مع ليتوانيا، وذلك بعد تشديد برلين سياستها تجاه المهاجرين وبدء عمليات طرد لمقيمين دخلوا ألمانيا بصورة غير قانونية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، احتدمت المواجهات على الأرض، حيث وقعت اشتباكات بين المهاجرين وهذه المجموعات، دفعت الشرطة البولندية للتدخل باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق الطرفين.
وارتدى بعض عناصر هذه الميليشيات سترات صفراء، بينما وضع آخرون شارات كتب عليها “الدفاع عن الحدود”، في مشهد يُثير القلق حول عسكرة النقاش السياسي حول الهجرة.
اتهامات لبولندا بـ”التعبئة شبه العسكرية”
منظمات حقوقية وسياسيون معارضون في بولندا حذروا من تصاعد ظاهرة ما وصفوه بـ”التعبئة السياسية شبه العسكرية للسكان المحليين”، حيث يتم تسليح الخطاب القومي وتحويله إلى فعل ميداني ضد المهاجرين، تحت أعين مؤسسات الدولة.
المتحدث باسم الحكومة البولندية شدد على أن “حرس الحدود هو الجهة الوحيدة المخولة بحماية الحدود”، مؤكدًا أن أي فرد يُعرقل عمل قوات الحرس سيتعرض للملاحقة القانونية.
بدوره، أوضح وزير الداخلية توماس سيمونياك أن الدوريات المدنية التي تقوم بهذه الأعمال “تضع نفسها تحت طائلة القانون”، مؤكدًا أن الدولة لن تسمح بتجاوز سلطاتها الرسمية.
اتهامات متبادلة وتحذيرات من التصعيد
اليمين المتشدد في بولندا من جانبه يواصل اتهام حكومة توسك بالخضوع لإملاءات ألمانيا، مدعيًا أن برلين تنقل المهاجرين بالحافلات إلى الأراضي البولندية، وهو ادعاء تنفيه برلين بشدة، وتعتبره “محض افتراء” هدفه التحريض على الكراهية وتأجيج الرأي العام.
في المقابل، تخشى الأوساط الليبرالية والحقوقية في أوروبا من أن يؤدي تساهل بعض المسؤولين مع هذه الميليشيات إلى ترسيخ نموذج أوروبي جديد في التعامل مع اللاجئين، يعتمد على “حراسة أهلية” بعيدة عن القانون، ما ينذر بتحول خطير في ملف الهجرة على المستوى الإقليمي.
مستقبل غامض للحدود الشرقية لأوروبا
في ظل انقسام داخلي بولندي، وتوتر غير مسبوق مع الجارة ألمانيا، يُطرح السؤال الكبير: هل تُفتح أوروبا الشرقية على سيناريو جديد تقوده مجموعات يمينية متشددة باسم “الأمن القومي”؟
وهل تتحول الحدود من خطوط جغرافية إلى ساحات مواجهة مفتوحة بين اللاجئين والميليشيات الأهلية؟
الإجابات لا تزال قيد التشكل، لكن الأكيد أن المشهد الحدودي بين بولندا وألمانيا بات مؤشرًا جديدًا على أزمة أوسع تعيشها أوروبا في التعامل مع ملف الهجرة، بين مقتضيات القانون وضغوط الشارع.
اقرا أيضا.. الكراهية تخرج عن السيطرة.. لماذا فشلت ألمانيا في حماية السوريات؟