نهاية أسطورة الأبرامز.. كيف أطاحت المسيرات الروسية بالدبابات الأمريكية في أوكرانيا؟

منذ أن ظهرت الدبابة في ساحات القتال خلال الحرب العالمية الأولى، رسخت مكانتها كرمز للقوة النارية والتفوق البري، بل شكلت لقرن كامل عماد الجيوش التقليدية ومفتاحًا للحسم في المعارك.
لكن في العقد الأخير، ومع التطور المتسارع للتكنولوجيا العسكرية، برزت الطائرات المسيّرة كخصم جديد غير تقليدي، قلب موازين الاشتباك وهدد بقاء الدبابة في ساحات المعركة الحديثة.
دبابات أبرامز الأمريكية سقطت في أوكرانيا أمام مسيرات انتحارية
في أوكرانيا، باتت الحرب اختبارًا عمليًا قاسيًا لهذا التحول؛ فالمسيّرات الانتحارية الرخيصة نسبياً، والمزودة بأنظمة توجيه دقيقة وقدرة على التخفي والمناورة، أصبحت تصطاد الدبابات واحدًا تلو الآخر، حتى تلك المجهزة بأنظمة حماية متطورة ودروع ثقيلة.
لم تعد الدبابة الملكة التي تخترق الخطوط، بل هدفًا مكشوفًا في مرمى السماء.
هذا التحول لا يعبّر فقط عن تطور تكنولوجي، بل يعكس تغييرًا عميقًا في فلسفة القتال الحديثة، حيث تُستبدل القوة النارية الثقيلة بالدقة، والدرع بالسرعة، والكتلة بالذكاء الاصطناعي.
فهل يشهد العالم حقًا نهاية عصر الدبابة؟ أم أنها ستتطور لتقاوم تهديد المسيّرات في معركة بقاء مفتوحة على جميع الاحتمالات؟
محلل عسكري أمريكي: معظم دبابات أبرامز تم تدميرها في أوكرانيا
في مقابلة مع شبكة CNN، صرح المحلل الاستراتيجي الأمريكي كريستوفر كيرشوف أن معظم دبابات M1A1 أبرامز التي سُلّمت إلى أوكرانيا قد تم تدميرها بالفعل، معظمها على يد طائرات مسيّرة روسية انتحارية.
وأشار إلى أن هذه التطورات تمثل نقطة تحول في تاريخ الحروب البرية، معلنًا “نهاية عصر الحرب الآلية” الذي بدأ منذ الحرب العالمية الأولى.
كيرشوف مستشار سابق لوزارة الدفاع الأمريكية
كيرشوف، المعروف بخبرته في شؤون الدفاع والتقنيات الحديثة، شغل سابقًا مناصب استشارية داخل وزارة الدفاع الأمريكية، ويتميّز بتحليلاته حول تحول ميزان القوى بفعل الأنظمة غير المأهولة، لا سيما في النزاعات المسلحة المعاصرة مثل الحرب في أوكرانيا.
الدبابات في مرمى المسيرات: معركة غير متكافئة
أظهرت التجربة الأوكرانية أن الطائرات المسيّرة، وخاصة طرازات الكاميكازي منخفضة التكلفة، باتت تمثل تهديدًا قاتلًا للمعدات الثقيلة مثل دبابات أبرامز، رغم تمتعها بدروع متقدمة.
فهذه المسيّرات قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة تتجاوز حماية الدبابات المصممة لمواجهة تهديدات تقليدية.

الأقمار الصناعية والحرب الإلكترونية تجهزان ساحة القتل
الشفافية المطلقة التي تتيحها تقنيات الاستطلاع بالأقمار الصناعية، مقرونة بحرب إلكترونية واسعة النطاق، جعلت من الصعب على الدبابات الكبيرة أن تخفي تحركاتها أو تنسق بفعالية، مما زاد من هشاشتها في الميدان الأوكراني.
دخول الأبرامز إلى الحرب وتوثيق الخسائر
دخلت أولى دبابات أبرامز خط الجبهة في أوكرانيا يوم 23 فبراير 2024، وسُجّلت أول خسارة مؤكدة لها بعد ثلاثة أيام فقط في منطقة بيرديتشي شمال غرب أفدييفكا، حيث استُهدفت بمسيّرة انتحارية وتعرضت لضربة إضافية من قاذفة RPG، بحسب مجلة “ميليتري ووتش”.
تصاعد الخسائر وانسحاب تكتيكي
بحلول أبريل 2024، كانت خمس دبابات أبرامز قد فُقدت، بينما تعرّضت ثلاث أخرى لأضرار، مما دفع القوات الأوكرانية إلى سحب الأبرامز مؤقتًا من خطوط المواجهة.
ورغم ذلك، استمرت التقارير عن خسائر جديدة بعد إعادة انتشارها لاحقًا.
أرقام متضاربة ولكن الخسائر مؤكدة
تشير المصادر الروسية إلى تدمير 26 دبابة من أصل 31، بينما تؤكد تقديرات غربية مثل “ناشيونال إنترست” أن أكثر من 20 دبابة أُصيبت أو دُمّرت أو أُسرت بحلول يناير 2025.
كما أُفيد بأن واحدة على الأقل تُركت بسبب نفاد الوقود وتم الاستيلاء عليها.
مقارنة مع دبابات غربية أخرى: الخسائر ليست استثناء
خسائر الأبرامز ليست حالة فريدة؛ فدبابات ليوبارد 2 وتشالنجر 2 الغربية الأخرى تكبدت خسائر كبيرة كذلك في الميدان الأوكراني، ما يعكس تغير قواعد الاشتباك بفعل الطائرات المسيّرة والبيئة القتالية المتقدمة.
التعديلات على دبابات أبرامز: نقطة ضعف خفية
واحدة من أبرز نقاط الضعف المحتملة لدبابات أبرامز في أوكرانيا كانت إزالة درع اليورانيوم المنضب من النسخ المصدّرة.
هذا الدرع الذي طُوّر عام 1988 في طراز M1A1HA، يُعد أحد أبرز مميزات الحماية للنسخ الأمريكية الأصلية، ويُوفر مقاومة تفوق الدروع التقليدية بكثير.
الدرع المعدّل: من اليورانيوم إلى السيراميك
النسخ المخصصة لأوكرانيا اعتمدت على دروع مركبة بديلة، يُعتقد أنها مصنوعة من السيراميك والفولاذ، مما قلل من قدرة الأبرامز على امتصاص الضربات الحديثة.
هذا التعديل يعكس رغبة الولايات المتحدة في عدم تصدير تقنيات حساسة قد تقع بيد الخصم.
هل تغيرت قواعد اللعبة؟ دروس من حرب أوكرانيا
تكلفة المسيرة الانتحارية لا تتعدى بضعة آلاف من الدولارات، لكنها قادرة على تدمير دبابة بملايين الدولارات، ما يُجسّد تحولًا جذريًا في الاقتصاد الحربي ويفرض تحديات غير مسبوقة أمام الجيوش التقليدية.
ما بين التفوق التقني والسقوط في الميدان
بالنظر إلى تطور الصراع، يتّضح أن الطائرات المسيّرة قد نجحت في كشف نقاط الضعف في منظومات تسليح تقليدية كانت تُعتبر حتى وقت قريب من الأكثر تفوقًا في العالم.
تبقى دبابات أبرامز، رغم سمعتها، واحدة من أبرز ضحايا حرب تُعيد تشكيل المفاهيم العسكرية من جديد.
اقرأ أيضاً.. اللغز الصيني الطائر J-36.. صورة مسرّبة تكشف أسرار مقاتلة المستقبل الشبحية