السعودية تعيد حساباتها.. تباطؤ المشاريع ونهاية عصر الشيكات المفتوحة للمستشارين

شهدت طفرة الاستشارات السريعة تباطؤ طفرة المشاريع بالسعودية مع إعادة الرياض النظر في إنفاقها الباذخ على المستشارين الخارجيين.

وفقا لتقرير فاينانشال تايمز، بينما شهد سوق الاستشارات طفرة ملحوظة بلغت 38% في عام 2022 و25% في عام 2023، يتوقع الخبراء أن ينمو السوق بنسبة 13% فقط في عام 2025، مما يمثل تباطؤًا ملحوظًا بعد سنوات من التوسع الاستثنائي.

يأتي هذا التحول في وقت تواجه فيه المملكة العربية السعودية تحديات اقتصادية، بما في ذلك انخفاض أسعار النفط والحاجة إلى تحقيق عوائد على التزاماتها الاستثمارية الضخمة.

تباطؤ طفرة المشاريع بالسعودية: مشهد متغير

بدأ تباطؤ طفرة المشاريع بالسعودية، مدفوعةً بشكل خاص بالمشاريع الضخمة مثل منطقة نيوم الاقتصادية وغيرها من المشاريع التنموية المستقبلية، في ظل معاناة المملكة من الضغوط المالية.

فرض صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الذي يقود العديد من مشاريع البنية التحتية في المملكة، مؤخرًا حظرًا لمدة عام على شركة PwC لأعمالها الاستشارية الجديدة، مما يشير إلى استياء متزايد من المبالغ المفرطة التي تُنفق على الاستشاريين الخارجيين.

وعبر دان ألبرتيلي، كبير محللي الأبحاث في Source Global، عن هذا التحول قائلاً: “لقد ولّت أيام مشاريع الاستشارات ذات الشيكات المفتوحة، حيث كانوا يُنفقون المال على كل شيء، حقًا”.

يفيد مُطلعون على الصناعة، لفاينانشال تايمز، أن شركات الاستشارات، التي كانت مزدهرة في سوق المملكة المزدهر، تواجه الآن بيئة تُخضع فيها خدماتها للتدقيق من حيث القيمة والضرورة.

اقرأ أيضًا: بأمر ترامب.. الولايات المتحدة تشن ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن

صعود وهبوط طفرة المشاريع العملاقة

استعانت الحكومة السعودية بمستشارين من شركات كبرى مثل McKinsey وBCG وBain لتصميم وتنفيذ استراتيجيات مشاريعها العملاقة الطموحة، والتي تشمل نيوم ومدينة ناطحات السحاب العملاقة.

أدى صندوق الاستثمارات العامة إلى زيادة الطلب على الأعمال الاستشارية، حيث وظفت الحكومة وشركاتها التابعة أعدادًا كبيرة من الاستشاريين فيما عُرف بـ”الاستعانة بمصادر خارجية” – أي الاستعانة بمصادر خارجية لتلبية متطلبات هذه المشاريع الضخمة.

ومع ذلك، أثار هذا الإنفاق الضخم انتقادات واسعة، لا سيما فيما يتعلق بمشروع نيوم. وتزعم مصادر مطلعة على المبادرة أن إنفاق نيوم على الاستشاريين كان مُفرطًا، وهناك مخاوف متزايدة بشأن كيفية استفادة شركات الاستشارات من التوسع السريع لهذه المشاريع الضخمة.

مع مواجهة الحكومة الآن لقيود الميزانية وانخفاض عائدات النفط، لم تعد مستعدة لتقديم “شيك مفتوح” لشركات الاستشارات.

ارتفاع التكاليف وتضييق الميزانيات

شهد قطاع النفط في المملكة العربية السعودية صعوبات في الأشهر الأخيرة، حيث خفضت شركة أرامكو السعودية المملوكة للدولة توزيعات أرباحها لعام 2025 بنسبة 30%، بعد انخفاض صافي الدخل بنسبة 12% في عام 2024.

سيؤثر هذا التخفيض بشكل كبير على ميزانيتي الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة، اللتين تعتمدان بشكل كبير على عائدات النفط. وفي ظل سعي المملكة إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على صادرات النفط الخام، يزداد الضغط على إدارة النفقات حدة.

تواجه شركات الاستشارات الآن ضغوطًا على التكاليف، حيث يُطلب منها خفض رسومها. وقد أشار بعض المديرين التنفيذيين الإقليميين إلى “سباق نحو القاع” حيث تتنافس الشركات لتقديم أفضل الأسعار لتأمين العقود. ومع ذلك، ليست جميع الشركات مستعدة لتقديم خصومات كبيرة.

أشار أحد المديرين التنفيذيين في شركة استشارية متخصصة إلى أن تخفيضات الأسعار التي قدّموها كانت ضئيلة، مما يشير إلى أن السوق السعودية لا تزال شديدة التنافسية، حتى مع تنامي الوعي بالتكاليف.

مستقبل الاستشارات في المملكة العربية السعودية

على الرغم من التباطؤ الاقتصادي، لا يزال سوق الاستشارات في المملكة العربية السعودية مربحًا للغاية، لا سيما للشركات ذات الخبرة المتخصصة.

تواصل المملكة التزامها بمشاريع هامة، مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 وكأس العالم لكرة القدم 2034، والتي ستتطلب بنية تحتية متطورة، بما في ذلك منحدرات تزلج اصطناعية وبناء ملاعب رياضية واسعة النطاق. وتضمن هذه المشاريع استمرار الطلب القوي على الخدمات الاستشارية في السنوات القادمة.

ومع ذلك، يشهد نوع العمل المطلوب تحولًا. فبينما كان الطلب على القوى العاملة الضخمة للمشاريع العملاقة مرتفعًا في السابق، تحتاج المملكة العربية السعودية الآن إلى خبرات أكثر تخصصًا ومستوى رفيعًا لإنجاز هذه المشاريع.

يعكس هذا التحول الديناميكيات المتغيرة لسوق الاستشارات السعودي، حيث تسعى الحكومة إلى الحصول على خدمات أكثر تركيزًا على القيمة واستهدافًا من مستشاريها الخارجيين.

حساب مصير قطاع الاستشارات

مع تباطؤ سوق الاستشارات، يعتقد العديد من خبراء القطاع أن “حساب مصير” هذا القطاع كان حتميًا. شركات الاستشارات، التي كانت مدعومة سابقًا بتدفق مستمر من العمل المرتبط بمشاريع البنية التحتية الضخمة، تواجه الآن تدقيقًا متزايدًا بشأن جودة خدماتها مقابل المال.

دفع هذا التحول في ديناميكيات السوق إلى إعادة تقييم دور الاستشارات وتكلفتها في خطط التنمية في المملكة العربية السعودية. لقد ولّى عهد الإنفاق غير المنضبط، وسيحتاج الاستشاريون إلى التكيف مع البيئة الجديدة الأكثر تقييدًا.

زر الذهاب إلى الأعلى