نهضة وسط القاهرة الرائعة.. فاينانشال تايمز تصف اندماج التاريخ والثقافة في عاصمة مصر

القاهرة (خاص عن مصر)- وصف تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز، نهضة وسط القاهرة، المكان الذي كان ذات يوم المركز العالمي لمصر. وفقا فاينانشال تايمز، يُشار إلى هذه المنطقة باسم “باريس على ضفاف النيل”، وكانت المركز الثقافي والاجتماعي للعالم العربي في أوائل القرن العشرين.
مستوحاة من التحديث الهوسماني، تشهد مبانيها الفخمة وشوارعها النابضة بالحياة على نمط حياة حضري مزدهر. ومع ذلك، في أعقاب ثورة 1952، أدت التحولات الاقتصادية والسياسية إلى انحدارها التدريجي. انتقلت الشركات والسكان إلى ضواحي أحدث، مما ترك وسط المدينة ظلًا لما كان عليه في السابق.

نهضة وسط القاهرة: طور التكوين
اليوم، تعمل العديد من القوى – المبادرات المدعومة من الدولة والمطورين من القطاع الخاص والمحافظين المتحمسين – على إعادة وسط القاهرة إلى الحياة. في حين تحول الكثير من التركيز العقاري في القاهرة إلى المدن التابعة مثل القاهرة الجديدة والسادس من أكتوبر، فإن سحر وسط المدينة المميز وأهميته الثقافية يجعلانه جزءًا لا غنى عنه من الهوية الحضرية لمصر.
يظل أحد المناطق القليلة حيث تختلط مجموعات اجتماعية واقتصادية مختلفة يوميًا، مما يوفر تباينًا ديناميكيًا للمجتمعات المسورة المنعزلة التي تنشأ في أماكن أخرى.
التحول بقيادة الدولة
في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تم تنفيذ مشاريع ترميم كبرى لتجديد معالم وسط المدينة. يتم تحويل مبنى المجمع في ميدان التحرير، وهو مبنى بيروقراطي شاهق، إلى فندق أوتوغراف فاخر في مشروع بقيمة 200 مليون دولار.
تتوافق مثل هذه الجهود التي تقودها الدولة مع الاستراتيجيات الاقتصادية الأوسع نطاقًا التي تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي والسياحة.

اقرأ أيضًا: الزحف عبر الظلام.. كيف عثر على مقبرة تحتمس الثاني؟ اختراق في علم المصريات
المبادرات الخاصة.. بث حياة جديدة في المساحات القديمة
في حين أن التدخل الحكومي محوري، فإن الكثير من التنشيط مدفوع بمطورين من القطاع الخاص لديهم شغف بالحفاظ على التراث. ويقود هذه الجهود كريم شافعي، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار العقاري الإسماعيلية.
تأسست شركة الإسماعيلية عام 2008، واستحوذت على 25 عقارًا في جميع أنحاء وسط المدينة، وحولتها إلى شقق فندقية فاخرة ومكاتب بوتيك ومساحات ثقافية. والجدير بالذكر أن سينما راديو الشهيرة، التي كانت ذات يوم من الآثار الباهتة، تضم الآن مقهى ومطعمًا شاميًا ومنفذًا لبيع الكتب الشهير ديوان، وتلعب دورًا في المشهد الثقافي المتجدد في القاهرة.
يؤكد شافعي أن هذا الإحياء لا يتعلق بالحنين إلى الماضي بل يتعلق بإنشاء وسط مدينة مستدام وشامل. وتمتد رؤيته إلى ما هو أبعد من الترميم الجمالي؛ فهي تشمل إعادة تقديم الأنشطة النابضة بالحياة والأحداث الثقافية التي تشرك المجتمع. ومن ترميم المسارح إلى مساحات العرض المحولة في المستودعات، تعمل هذه المبادرات على جلب طاقة جديدة إلى المنطقة.

مشهد ثقافي مزدهر
تلعب الفنون دورًا محوريًا في تحول وسط المدينة. فقد أسست المهرجانات مثل آرت كايرو، وأسبوع القاهرة للتصميم، ومهرجان وسط المدينة للفنون المعاصرة (دي-كاف) وسط المدينة كنواة ثقافية. وتجتذب هذه الأحداث الفنانين وجامعي التحف والمبدعين، مما يعزز من عودة المنطقة إلى الواجهة كملاذ فني.
كما ظهرت فنادق بوتيك مثل Mazeej Balad، التي تلبي احتياجات الزوار الباحثين عن تجربة حضرية فريدة من نوعها. ويقع Mazeej Balad في مبنى La Viennoise الذي تم تجديده عام 1896، ويجسد الاندماج الناجح بين السحر التاريخي والفخامة المعاصرة.

التجديد الحضري مقابل الشمولية
مع خضوع وسط المدينة لهذا التحول، تنشأ مخاوف بشأن التجديد الحضري والقدرة على تحمل التكاليف. وفي حين يشيد البعض بالجهود المبذولة لاستعادة مجد المنطقة السابق، يخشى آخرون أن يؤدي الإحياء إلى إبعاد السكان القدامى والشركات الصغيرة. ومع ارتفاع أسعار الإيجارات وانتقال المؤسسات الراقية، يظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لوسط المدينة الاحتفاظ بإمكانية الوصول إليه والتنوع الاجتماعي؟
يعتقد المهندس المعماري طارق شمة، الذي قام بترميم شقة بنتهاوس تطل على المتحف المصري، أن هناك إمكانية لا تزال للتنمية المتوازنة. ويسلط الضوء على إمكانية تحمل تكاليف سوق الإيجار في وسط المدينة مقارنة بالمناطق الرئيسية الأخرى في القاهرة، مما يجعلها خيارًا قابلاً للتطبيق للمبدعين ورواد الأعمال الشباب. ومع ذلك، يحذر أيضًا من الإفراط في التسويق التجاري، بحجة أن التحديث المفرط يمكن أن يجرد الحي من طابعه الأصيل.
إن التحول المستمر في وسط القاهرة لا يعني مجرد تجديد حضري – فهو شهادة على هوية مصر المتطورة. سواء من خلال التطورات الفاخرة أو المبادرات الفنية أو الجهود الشعبية، فإن المنطقة تستعيد مكانتها تدريجيًا باعتبارها القلب النابض للمدينة.