هل تمتلك إيران قوة نووية قادرة على تدمير العالم؟
لا يزال البرنامج النووي الإيراني يشكل قضية معقدة، لما لها آثار وتداعيات على الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي، حيث يشير الخبراء أن المسار النهائي لهذا البرنامج سيعتمد على الجهود الدبلوماسية الدولية، والخيارات الاستراتيجية لإيران، والمشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط خاصة في خضم تطور الصراع مع اسرائيل.
ومع استمرار التوترات، أصبح السؤال الشائع في الغرب حالياً، “هل تمتلك إيران أسلحة نووية ؟.
ويستعرض “خاص عن مصر” في هذا التقرير الإجابة على هذا السؤال وترصد مسار البرنامج النووي الإيراني الذي بدأ قبل سبعين عاماً لاغراض سلمية ثم تطور ليستهدف لاحقاً إمتلاك القدرة على إنتاج السلاح النووي.
يشير المسؤولون الغربيون والخبراء والتقارير المتخصصة من وكالات الاستخبارات ووكالة الطاقة الذرية في تقديراتهم أن إيران لا يعتقد أنها تمتلك أسلحة نووية بعد، لكن لديها برنامجًا نوويًا متقدمًا وتدير العديد من المنشآت النووية ومراكز الأبحاث، وحيث عمل بوتيرة متسارعة نحو تطوير عمليات تخصيب اليورانيوم.
وصرح انتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، ردا على هذا السؤال منتصف العام الجاري، بقوله إن الوقت الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد اللازمة لصنع سلاح نووي “ربما يكون الآن أسبوعا أو أسبوعين” حيث واصلت طهران تطوير برنامجها النووي، وفقاً لوكالة سي إن إن.
إيران تخصب اليورانيوم بنقاء 60%
وحققت إيران تقدما كبيرا مؤخراً في برنامجها النووي منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015، حيث تعد حاليا الدولة الوحيدة غير النووية التي تنتج اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ ولديها ما يكفي من الوقود النووي الذي يقترب من درجة صنع الأسلحة النووية، لما يقدر بحوالي ثلاث قنابل.
وبحسب أحدث تقرير ربع سنوي صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تفتش منشآت التخصيب في إيران، فإن مخزونها من اليورانيوم المخصب، والذي كان محددًا بـ 202.8 كجم بموجب الاتفاق، بلغ 5.5 طن في فبراير الماضي، في الوقت الذي تعمل فيه إيران الآن على تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60٪ ولديها ما يكفي من المواد المخصبة إلى هذا المستوى، والتي إذا تم تخصيبها بشكل أكبر، لصنع سلاحين نوويين، وفقًا للتعريف النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إمتلاك إيران لسلاح نووي قد يستغرق عام
وقال ستيفن هيرزوغ، باحث أول في مركز دراسات الأمن في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، إن إيران لا تمتلك سلاحاً نووياً حتى الآن، وهي أبعد كثيرا من الحصول عليه مما يتصوره العديد من المحللين، مشيراً إلى أن هناك العديد من الحواجز السياسية الداخلية، مثل تصريح آية الله خامنئي قبل سنوات بأن إيران لن تصنع القنبلة أبداً، وبعض الحواجز التقنية.
وأضاف ستيفن في تصريحات لـ”خاص عن مصر“: “يمكن أن أقدر أن إيران سوف تستغرق أكثر من عام واحد لإمتلاك سلاح نووي، وذلك لأن الحسابات التي أجرتها الحكومة الأميركية وغيرها من الكيانات، والتي تؤكد أن الوقت الذي تحتاجه إيران لصنع القنبلة هو أسبوع أو أسبوعين، تعتمد على مفهوم “الوقت اللازم لتحقيق الإنطلاق” وليس معدل تطور البرنامج النووي الإيراني الفعلي حالياً.
وأوضح: “من المنطقي التركيز على تراكم ما يكفي من المواد الانشطارية، في هيئة يورانيوم عالي التخصيب بنسبة 90%، لبناء سلاح نووي كما هو الحال مع مفهوم الوقت اللازم للانطلاق. ومن السهل إلى حد ما تقدير هذه الأرقام، حيث تراقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووكالات الاستخبارات والأقمار الصناعية المنشآت الإيرانية، ولكن المواد الانشطارية التي يتم النظر إليها في حسابات الوقت اللازم للانطلاق ليست وحدها في المعادلة”.
ويشير إلى أن إيران تحتاج أيضاً إلى القيام بأعمال تسليح متقدمة لجعل مثل هذه الرؤوس الحربية تعمل بالفعل، حيث أن أنشطة التسليح الحالية أقل بكثير من أنشطة المواد الانشطارية، وتشير أغلب التقديرات الواردة في تقارير الاستخبارات التي رفعت عنها السرية والتقييمات الدولية إلى أن إيران لن تتمكن من القيام بذلك قبل عام واحد على الأقل.
ويستطرد ستيفن قائلاً: ” من المؤكد أن الأمور قد تتغير إذا هاجمت إسرائيل إيران وخلقت حالة جديدة من الضغط على البرنامج النووي، ولكن الجدول الزمني للتسليح لن يتغير كثيراً على الأرجح”.
الإتفاق النووي الإيراني
وفرض الإتفاق النووي في عام 2015 قيودًا صارمة على الأنشطة النووية الإيرانية في مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران. لقد خفض مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، ولم يترك لها سوى كمية صغيرة مخصبة بنسبة نقاء تصل إلى 3.67٪، بعيدًا عن نقاء 90٪ تقريبًا الذي يعتبر درجة بناء أسلحة نووية.
وقالت الولايات المتحدة في ذلك الوقت إن الهدف الرئيسي من هذه القيود هو زيادة الوقت الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية – وهي العقبة الأكبر في برنامج الأسلحة – إلى عام على الأقل.
ولكن بحلول عام 2018، كان الرئيس دونالد ترامب قد قرر الإنسحاب من الاتفاق، وأعاد فرض العقوبات على طهران، مما أدى إلى خفض مبيعاتها النفطية وضرب اقتصادها، وترتب عن ذلك عام 2019، خرق إيران القيود المفروضة على أنشطتها النووية ثم تجاوزتها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير وصولاً إلى إنتهام جميع القيود الرئيسية للاتفاق.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقوم بشكل دوري بتفتيش مواقع التخصيب المعلنة في إيران، والتي تشمل، مفاعل فوق الأرض ومفاعل أكبر تحت الأرض في مجمع نطنز وآخر مدفون داخل جبل في فوردو.
ونتيجة لتوقف إيران عن تنفيذ بنود الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة، لم تعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادرة على مراقبة إنتاج إيران ومخزونها من أجهزة الطرد المركزي، وهي الآلات التي تخصب اليورانيوم، بجانب إلى جانب عدم قدرتها على إجراء عمليات تفتيش مفاجئة، وقد أثار ذلك تكهنات حول ما إذا كانت إيران قد أنشأت موقع تخصيب سري.
لمحة تاريخية
بدأ البرنامج النووي الإيراني في الخمسينيات من القرن الماضي بدعم من الولايات المتحدة في إطار برنامج الذرة من أجل السلام، وكان موجهًا نحو الاستكشاف العلمي السلمي. وفي عام 1970، صادقت إيران على معاهدة حظر الانتشار النووي، وأخضعت جميع أنشطتها النووية لعمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولكن في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، توقف التعاون مع وكالة الطاقة الذرية مؤقتاً ومع ذلك واصلت إيران تطوير برنامجها النووي سراً.
وبدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقًا موسعاً بعد أن كشفت تصريحات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في عام 2002 عن أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، ثم تبع ذلك في عام 2006، دفع عدم امتثال إيران لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي مجلس الأمن إلى مطالبة إيران بتعليق برامجها.
وفي عام 2007. ذكر تقدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية أن إيران أوقفت برنامجًا نشطًا مزعومًا للأسلحة النووية في عام 2003، ولكن في نوفمبر 2011، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود أدلة موثوقة على أن ايران كانت تجري تجارب تهدف إلى تصميم قنبلة نووية، وأن الأبحاث ربما استمرت على نطاق أصغر بعد ذلك الوقت.