هل يجب على برلين إعادة تمثال نفرتيتي إلى مصر؟
القاهرة (خاص عن مصر)- يُعَد تمثال الملكة نفرتيتي الأيقوني، وهو تحفة فنية مصرية قديمة، معروضًا في متحف برلين الجديد منذ اكتشافه عام 1912. ويُعَد التمثال الذي يبلغ عمره 3370 عامًا، والذي تقدر قيمته بنحو 400 مليون يورو (433 مليون دولار)، جوهرة من جواهر الآثار المصرية. ومع ذلك، أثار استمرار وجوده في ألمانيا جدلًا كبيرًا حول أخلاقيات التراث الثقافي والإرث الاستعماري، وفقا لما نشرته دويتشه فيلا.
دعوة إلى الإعادة
كان عالم الآثار المصري البارز زاهي حواس صوتًا رائدًا في الحملة من أجل إعادة تمثال نفرتيتي، حيث دعا إلى عودتها إلى مصر منذ ما قبل الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في عام 2011.
في سبتمبر، أطلق عريضة تحث السلطات الألمانية على الاعتراف بالأهمية الثقافية والتاريخية للتمثال. وتؤكد العريضة أن التمثال النصفي “رائع ولا مثيل له في التاريخ من حيث قيمته التاريخية والجمالية”، مؤكدة أن “الوقت قد حان لإعادته إلى مصر”.
السياق التاريخي والتحديات القانونية
تم اكتشاف تمثال نفرتيتي النصفي من قبل فريق أثري ألماني في أنقاض تل العمارنة، العاصمة التي أسسها الفرعون أخناتون، زوج نفرتيتي. وبعد التنقيب عنه، تم شحنه إلى برلين في عام 1913. وفي حين يزعم المسؤولون الألمان أن التمثال النصفي تم الحصول عليه بشكل قانوني من خلال اتفاقية تقسيم مع السلطات المصرية، فقد قوبل هذا الادعاء بالتشكك من قبل العلماء المصريين. يزعم ستيفان موشلر، المتحدث باسم مؤسسة التراث الثقافي البروسي، أن التمثال النصفي تم أخذه وفقًا لاتفاقية عرفية تقسم القطع الأثرية المكتشفة بين السلطات المصرية والألمانية.
في المقابل، يزعم حواس أن التمثال النصفي “سُرق بوقاحة” تحت ذرائع كاذبة، مشيرًا إلى أنه في ذلك الوقت، كانت القوانين المصرية تحظر تصدير الاكتشافات الأثرية المهمة. إن هذا اللغز القانوني والأخلاقي يعقد الخطاب حول إعادة الآثار إلى الوطن، ويسلط الضوء على مظلمة طويلة الأمد بشأن عمليات الاستحواذ في العصر الاستعماري.
أقرا أيضا.. أفخم فنادق 7 نجوم في العالم عام 2024
السرد الاستعماري
إن المناقشة المحيطة بتمثال نفرتيتي النصفي تتطرق أيضًا إلى موضوعات أوسع نطاقًا تتعلق بالاستعمار والاستيلاء الثقافي. تتحدى عالمة الآثار مونيكا حنا السرد الذي يضع نفرتيتي كسفيرة ثقافية لمصر في برلين. وتشير إلى أن “السفير يستلزم تبادلًا دبلوماسيًا”، متسائلة عما تلقته مصر في مقابل وجود التمثال النصفي منذ فترة طويلة في ألمانيا. تدعو حنا إلى “إنهاء الاستعمار في علم الآثار المصري”، بحجة أن إعادة تمثال نفرتيتي يمكن أن يشكل سابقة لإعادة القطع الأثرية الأخرى التي تم أخذها خلال العصر الاستعماري.
وبالمثل، وسع حواس نطاق عريضته لتشمل قطعًا أثرية مهمة أخرى، مثل حجر رشيد، الموجود حاليًا في المتحف البريطاني، وبروج دندرة، الموجود في متحف اللوفر. تعكس هذه الدعوات حركة متنامية تدعو إلى إعادة التراث الثقافي والاعتراف بالظلم التاريخي.
مستقبل نفرتيتي
مع استمرار المناقشات، اعترفت مؤسسة التراث الثقافي البروسي بوجود قطع أثرية مسروقة ضمن مجموعاتها، مثل البرونزيات البنينية، والتي أعيد بعضها إلى نيجيريا في عام 2022. ومع ذلك، فإن المؤسسة ثابتة على موقفها بشأن نفرتيتي، مؤكدة أن التمثال النصفي تم الحصول عليه بشكل قانوني وأنه لا توجد أسباب لمطالبات الاسترداد من الحكومة المصرية.
ينقسم الخبراء حول إمكانية نجاح حملة حواس. وفقًا للمعلق على إعادة الإرث الثقافي لويس ماكنوت، ما لم تظهر أدلة جديدة تثبت الخداع المتعمد فيما يتعلق باقتناء التمثال النصفي، فإن احتمالات الإعادة تظل ضئيلة. تساهم تعقيدات اتفاقيات العصر الاستعماري والطبيعة الغامضة لتقسيم القطع الأثرية خلال تلك الفترة في التحدي المستمر المتمثل في معالجة مطالبات الاسترداد.
إرث ثقافي على المحك
إن المناقشة حول تمثال نفرتيتي النصفي تلخص محادثة أوسع نطاقاً حول التراث الثقافي والهوية والآثار المتبقية من الاستعمار. وبينما تواصل مصر تأكيد مطالباتها باستعادة القطع الأثرية المهمة، فإن قضية نفرتيتي تشكل مثالاً محورياً للنضال من أجل العدالة الثقافية وإعادة الكنوز التاريخية. ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت نفرتيتي ستعود إلى مصر أم لا، ولكن الحوار المحيط بتمثالها النصفي يشكل جزءاً أساسياً من استعادة التراث الثقافي للأجيال القادمة.