هل يعود مجد نفط بحر الشمال؟ ترامب يَعِد بـ “ثروة هائلة” والخبراء يرون واقعًا آخر

خلال زيارته الأخيرة إلى اسكتلندا، تصدر الرئيس دونالد ترامب عناوين الصحف برسالة جريئة موجهة إلى رئيس الوزراء السير كير ستارمر ووزيرة المالية راشيل ريفز: زعم أن نفط بحر الشمال “كنزٌ ثمينٌ للمملكة المتحدة”، واعدًا بـ”ثروةٍ هائلة” إذا ما حفّزت حكومة المملكة المتحدة شركات الحفر.
لكن خبراء ومحللين في هذا القطاع يقولون إن الوضع أكثر تعقيدًا – وأقل ربحيةً بكثير – مما يوحي به خطاب ترامب.
في حين أن نفط وغاز بحر الشمال قد حققا تاريخيًا مليارات الدولارات من عائدات الضرائب، ووظائف بأجور مرتفعة، واستثماراتٍ داخلية، إلا أن الواقع هو أن الإنتاج في انخفاضٍ مستمر منذ أوائل القرن الحادي والعشرين. لقد ولّت أيام مجد هذا القطاع، ومن غير المرجح أن يوفر العوائد المالية السريعة اللازمة لمواجهة تباطؤ النمو المحلي والضغوط المالية المتزايدة.
زيادات ضريبية ومعارضة من قطاع النفط والغاز
يعكس تأكيد ترامب أن ضرائب النفط والغاز “مرتفعة لدرجة أنها غير منطقية” المخاوف التي أثارها القطاع منذ تطبيق ضريبة أرباح الطاقة (EPL) في المملكة المتحدة عام 2022 في عهد بوريس جونسون.
في البداية، كانت الضريبة 25% على أرباح النفط والغاز البريطانية – التي فُرضت بعد أن أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى ارتفاع حاد في الأسعار – ثم ارتفعت ضريبة أرباح الطاقة إلى35% في عام 2023، ثم رُفعت إلى38% في عهد ريفز، مع تمديد الجدول الزمني حتى عام 2030. وإلى جانب الضرائب الأخرى، تواجه الشركات الآن معدل ضريبة فعلي يصل إلى 78% على أرباحها في المملكة المتحدة.
أدى ذلك إلى انخفاض كبير في الاستثمارات البريطانية، وتوقف المشاريع، وفقدان ما يُقدر بـ 10 آلاف وظيفة منذ تطبيق ضريبة أرباح الطاقة، مما أثر بشكل خاص على منطقة أبردين. يُحذّر قادة القطاع، مثل مايك ثولين من شركة Offshore Energies UK (OEUK) وراسل بورثويك من غرفة تجارة أبردين وغرامبيان، من أن سلسلة التوريد الحيوية للنفط والطاقة المتجددة مُعرّضة لخطر الاختفاء في الخارج، ويدعون إلى إصلاح ضريبي عاجل.
الواقع الاقتصادي: تناقص العائدات
على الرغم من ارتفاع معدلات الضرائب، فإن إيرادات الخزانة لا تزال بعيدة كل البعد عن مستوياتها المرتفعة السابقة. لم تتجاوز إيرادات ضرائب النفط والغاز، البالغة 9.9 مليار جنيه إسترليني، التي جُمعت في الفترة 2022-2023 نسبة 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي، بانخفاض عن ذروتها البالغة 3.4% في منتصف الثمانينيات.
مع انخفاض الإنتاج واستقرار الأسعار، انخفضت إيرادات ضرائب النفط والغاز إلى 5 مليارات جنيه إسترليني في الفترة 2023-2024، ومن المتوقع أن تنخفض إلى ملياري جنيه إسترليني فقط بحلول الفترة 2029-2030.
يُقدّر تقرير مستقل صادر عن مجموعة ويستوود العالمية للطاقة إمكانية استخراج ما يصل إلى 7.5 مليار برميل من النفط والغاز من بحر الشمال، بقيمة اقتصادية محتملة تبلغ 165 مليار جنيه إسترليني على مدى عدة عقود. ومع ذلك، يُقرّ معظم المديرين التنفيذيين بأن عصر الاكتشافات السهلة قد ولّى؛ فالاحتياطيات المتبقية مُخطّطة بدقة، ومن غير المُرجّح تحقيق اكتشافات جديدة مهمة.
اقرأ أيضا.. من الحصار إلى الفوضى.. كيف أصبح الجوع أسوأ في غزة؟
الموازنة بين أمن الطاقة والانبعاثات الصفرية
أدى التزام حزب العمال بالانبعاثات الصفرية إلى تفاقم حالة عدم اليقين، حيث رفضت الحكومة إصدار تراخيص جديدة للتنقيب في بحر الشمال. يُصرّ وزير المالية ريفز على أن النفط والغاز سيظلان جزءًا من مزيج الطاقة في المملكة المتحدة لعقود، لكنه يُشدّد على ضرورة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات مثل احتجاز الكربون لدعم كل من الاقتصاد وأمن الطاقة.
تجادل أصوات من قطاع الصناعة بأن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لا يواكب بعد انخفاض الإنتاج المحلي من النفط والغاز. ويحثّ فريق عمل انتقال بحر الشمال وقادة أعمال مثل فيليب رايكروفت الحكومة على إلغاء قانون إنتاج النفط مبكرًا لاستعادة ثقة المستثمرين. مع ذلك، حتى لو خُفِّضت معدلات الضرائب، يقول الخبراء إن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن يُؤدِّي أيُّ استثمار جديد إلى إنتاجٍ مُجدٍ.
المستقبل: لا حلَّ سحري
يرفض دعاة حماية البيئة، مثل تيسا خان من منظمة “أبليفت”، دعوات ترامب لمزيد من الحفر باعتبارها “محض خيال”، مُجادلين بأن المشاريع الجديدة لن تُخفِّض تكلفة الطاقة، وأن حوض بحر الشمال “ينفد منه الغاز بسرعة”.
حتى المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط والغاز يُقرُّون بأنَّ الاستكشافات الجديدة لن تُؤدِّي إلى طفرةٍ فورية، وأنَّ إعطاء الضوء الأخضر لمشاريع كبرى مثل روزبانك وكامبو لن يُؤدِّي إلا إلى استدامة القطاع، وليس إنعاشه.
في الوقت الحالي، الواقع واضح: لا يزال نفط وغاز بحر الشمال مُهمَّين، لكنهما لا يُحقِّقان العوائد “الكبيرة” التي يتصوَّرها ترامب. تُواجه المملكة المتحدة تحديًا طويل الأمد في إدارة التَّحول في مجال الطاقة مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.