هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون معالجك النفسي؟ فاعلية أفضل من البشر

القاهرة (خاص عن مصر)- كشفت دراسةٌ رائدة نُشرت في مجلة نيو إنجلاند الطبية عن العلاج بالذكاء الاصطناعي أن روبوتات الذكاء الاصطناعي، عند تدريبها بشكل صحيح، يُمكنها توفير علاجٍ نفسيٍّ بنفس فعالية – إن لم يكن أكثر – من العلاج الذي يُقدّمه الأطباء البشريون. يُمكن أن يُقدّم هذا التطور حلاًّ جديداً للنقص المُستمرّ في مُقدّمي خدمات الصحة النفسية في الولايات المتحدة.

أزمة الصحة النفسية ودور الذكاء الاصطناعي

لطالما عانت الولايات المتحدة من نقصٍ حادّ في مُقدّمي خدمات الصحة النفسية، حيث تُشير التقديرات إلى وجود مُعالجٍ واحدٍ فقط لكلّ 340 شخصًا.

إعلان

تفاقم هذا النقص في السنوات الأخيرة بسبب زيادة الطلب على خدمات الصحة النفسية، مما جعل الحصول على الرعاية صعباً على الكثيرين. وقد طوّر باحثون في كلية دارتموث روبوتاً علاجياً بالذكاء الاصطناعي استجابةً لهذه المُشكلة، بهدف جعل رعاية الصحة النفسية أكثر سهولةً وقابليةً للتوسّع.

أكد نيك جاكوبسون، عالم النفس السريري وأحد أعضاء فريق البحث، أن “البشر هم من أكثر العوامل التي لا تُطبّق بشكل جيد”، مشيرًا إلى محدودية القوى العاملة الحالية في مجال الصحة النفسية.

تُمثّل دراسة دارتموث خطوةً كبيرةً إلى الأمام في استخدام الذكاء الاصطناعي في رعاية الصحة النفسية، إذ تُمثّل أول تجربة سريرية عشوائية لعلاج الذكاء الاصطناعي.

خطوة نحو دعم فعال للصحة النفسية

تم تدريب روبوت العلاج بالذكاء الاصطناعي، الذي طوّره باحثو دارتموث، باستخدام أفضل الممارسات السريرية، بعد سنوات من التجربة والخطأ قبل الوصول إلى نتائج جيدة. وأشار جاكوبسون إلى أن التأثيرات الملحوظة في التجربة تعكس تلك التي لوحظت في بعض أفضل علاجات العلاج النفسي القائمة على الأدلة.

أجرى الباحثون التجربة على مجموعة من حوالي 200 شخص يعانون من حالات مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل. عولج نصف المشاركين باستخدام روبوتات علاج الذكاء الاصطناعي، وأظهرت النتائج تحسنًا ملحوظًا مقارنةً بمن لم يتلقوا العلاج.

وفقًا لجاكوبسون، كانت إحدى النتائج الأكثر إثارةً للدهشة هي الرابطة القوية التي نشأت بين المرضى وروبوت الذكاء الاصطناعي.

أوضح جاكوبسون قائلاً: “لقد كان الناس يطورون بالفعل هذه العلاقة القوية مع القدرة على الثقة بها”. هذا الارتباط، الشبيه بالعلاقة العلاجية التي تُعزز في العلاج البشري، يُعد مؤشرًا رئيسيًا لنجاح العلاج السلوكي المعرفي.

مزايا العلاج بالذكاء الاصطناعي: سهولة الوصول والمرونة

من أبرز مزايا العلاج بالذكاء الاصطناعي مرونته. فعلى عكس المعالجين البشريين، تتوفر روبوتات الذكاء الاصطناعي في أي وقت، دون قيود ساعات العمل أو مواعيد محدودة.

فوجئ جاكوبسون وفريقه بمدى تكرار اتصال المرضى بمعالجي الذكاء الاصطناعي، وخاصةً في الليل عندما يعانون من الأرق أو أعراض أخرى.

يتذكر جاكوبسون قائلاً: “كان لدينا أشخاص يرسلون رسائل إلى المعالجين حول أعراض الأرق في منتصف الليل، وقد تم تلبية احتياجاتهم في تلك اللحظات”.

قد يكون هذا الوصول المتواصل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ذا قيمة لا تُقدر بثمن في مساعدة الناس على إدارة صحتهم النفسية بشكل أكثر فعالية، وخاصةً لأولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى العلاج التقليدي بسبب ضيق الوقت أو عدم توفره.

اقرأ أيضًا: بعد أسبوع خسائر بسبب رسوم ترامب الجمركية.. وول ستريت تستعد لمزيد من الفوضى

آراء الخبراء وتحذيراتهم

في حين أن نتائج هذه الدراسة واعدة، إلا أن الخبراء حذرون بشأن تطبيق العلاج بالذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. وقد أعربت الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) عن مخاوفها بشأن استخدام روبوتات العلاج بالذكاء الاصطناعي غير المنظمة، وخاصةً تلك التي لم تخضع لتدريب سريري صارم.

مع ذلك، أعربت الجمعية عن دعمها لنموذج باحثي دارتموث، الذي يلتزم بعلم النفس وأثبت فعاليته وسلامته.

وأقرت فايل رايت، مديرة مكتب ابتكار الرعاية الصحية في الجمعية الأمريكية لعلم النفس، بأن روبوت الذكاء الاصطناعي المستخدم في هذه الدراسة “يحقق مجموعة من المعايير التي كنا نأمل أن يبدأ خبراء التكنولوجيا في تطبيقها”.

أشادت بالباحثين لضمان أن يكون الروبوت قد تم إنشاؤه بالتعاون مع خبراء متخصصين، وأن يكون متجذرًا في علم النفس.

ورغم النتائج الواعدة، أكدت رايت أن المعالجين البشريين لا داعي للخوف من استبدالهم بالذكاء الاصطناعي. صرحت بأنه نظرًا للنقص الكبير في مقدمي خدمات الصحة النفسية، “لا أعتقد أن على البشر القلق من توقفهم عن العمل”.

أضافت أن البلاد لا تزال بحاجة إلى جميع المعالجين ذوي الكفاءة العالية – سواءً من البشر أو من خلال الذكاء الاصطناعي – الذين يمكنها الحصول عليهم.

الحاجة إلى مزيد من البحث

يؤكد الباحثون في جامعة دارتموث أنه على الرغم من أن روبوت العلاج بالذكاء الاصطناعي الخاص بهم يُظهر نتائج واعدة، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن أن يكون متاحًا للاستخدام على نطاق واسع. هناك حاجة إلى مزيد من التجارب والأبحاث لتحسين هذه التقنية وضمان سلامتها وفعاليتها في مختلف الظروف.

بالإضافة إلى ذلك، يُدرك الفريق أهمية التعاون مع الهيئات التنظيمية لضمان استيفاء علاج الذكاء الاصطناعي للمعايير اللازمة قبل أن يصبح خيارًا علاجيًا شائعًا.

يشعر جاكوبسون وزملاؤه بالتفاؤل بشأن إمكانات علاج الذكاء الاصطناعي، لكنهم ما زالوا يركزون على إجراء المزيد من الاختبارات. يقول جاكوبسون: “لقد أثبتنا إمكانية تقديم علاج عالي الجودة من خلال الذكاء الاصطناعي. والآن، نحتاج إلى مواصلة تحسينه لجعله فعالًا وآمنًا قدر الإمكان”.

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى