واشنطن تعود بقوة إلى سوريا.. قاعدة عسكرية أمريكية على حدود تركيا

في خطوة تؤشر إلى تحول استراتيجي في خارطة الوجود العسكري الأمريكي داخل سوريا، أفادت تقارير ميدانية ومصادر محلية بأن القوات الأمريكية بدأت بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في مدينة عين العرب (كوباني) ، شمالي سوريا، على الحدود مع تركيا، وفي موقع استراتيجي يطل على البحر الأبيض المتوسط.

وتأتي هذه التطورات في ظل حديث متزايد عن إعادة تموضع أمريكي وليس انسحابًا، وسط تنسيق أمني متزايد مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على نحو ربع الأراضي السورية.

قاعدة عسكرية أمريكية بسوريا.. قوافل لوجستية ومعدات عسكرية تصل كوباني

وبحسب مصادر في “قسد”، فقد وصلت منذ نهاية ديسمبر 2024 أكثر من 300 شاحنة أمريكية إلى المنطقة عبر نقطة تفتيش الوليد على الحدود السورية العراقية، محمّلة بالخرسانة المسلحة، والمولدات، وخزانات الوقود، والذخيرة، والمعدات العسكرية، إضافة إلى مبانٍ جاهزة وجرافات.

وتشير معلومات إلى أن القاعدة الجديدة تُقام داخل فندق سابق وعدد من المباني المجاورة له، مع تشييد تحصينات خرسانية تحسبًا لأي هجوم محتمل، خاصة من فصائل مدعومة من تركيا.

قاعدة تنسيق بين “قسد” وقوى مدعومة من أنقرة

وتؤكد مصادر سياسية، أن واشنطن اقترحت إقامة قاعدة تنسيق عسكري مشترك بين “قسد” وفصائل سورية موالية لأنقرة، بهدف حماية سد تشرين على نهر الفرات. كما طُرحت فكرة نشر “الجيش السوري الجديد” – الذي دربته القوات الأمريكية في التنف – في المنطقة الحدودية، في مسعى أمريكي واضح لتثبيت النفوذ وتجنّب التصعيد مع تركيا.

عين العرب منطقة منزوعة السلاح بإشراف أمريكي؟

في تطور موازٍ، كان القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، قد اقترح في ديسمبر الماضي إنشاء منطقة منزوعة السلاح في كوباني لمنع الغزو التركي، على أن تكون تحت إشراف أمريكي مباشر، وهي خطوة يُنظر إليها كتحول في ملامح الجغرافيا السياسية والعسكرية لشمال سوريا.

صدامات متكررة على خط منبج – كوباني

تشهد المنطقة توترات متصاعدة، إذ شنت فصائل “الجيش السوري الحر” المدعومة من تركيا هجمات على مواقع “قسد” في منبج وكوباني مطلع ديسمبر الماضي، أعقبها هجوم مضاد من القوات الكردية في منطقة جسر قره كوزاك وسد تشرين، أسفر عن مقتل 15 من مقاتلي المعارضة السورية، وسط مساعٍ أمريكية حثيثة للعب دور “الوسيط” وفرض تهدئة بين الجانبين على طول نهر الفرات.

اقرأ أيضاً.. بوينغ تُكثف إنتاج مقاتلات F-15EX.. خطة تحويلية لدعم الجيش الأمريكي والتصدير

9 قواعد أمريكية منذ 2015

يسيطر الأكراد على قرابة ربع الأراضي السورية، بما في ذلك معظم الرقة والحسكة، وشمال شرق دير الزور حيث تقع حقول النفط الحيوية. ومنذ عام 2015، أقامت الولايات المتحدة تسع قواعد عسكرية في مناطق سيطرة “قسد”، أبرزها قاعدة رميلان الجوية في الحسكة، والتي تُعد مركز القيادة الأمريكية في شمال شرق سوريا.

سوريا بعد الأسد.. انفتاح أمريكي وتراجع روسي

تشير المعطيات المتراكمة إلى أن سوريا، ما بعد بشار الأسد، تتجه نحو محور جيوسياسي جديد مختلف كليًا عن مرحلة ما بعد 2011. فبينما كانت موسكو هي الراعي الأول لبقاء النظام السوري، يبدو أن النفوذ الروسي بدأ بالتآكل لصالح الولايات المتحدة التي تعيد رسم خارطة انتشارها، ليس فقط لمواجهة إيران وتركيا، بل لإدارة المشهد في مرحلة “سوريا المقسّمة بحكم الواقع”.

ولعلّ التحركات الأمريكية في شمال غرب سوريا – بعد سنوات من التمركز في الشرق – تشير إلى رغبة أمريكية في ضبط توازن القوى على الحدود مع تركيا، والسيطرة على مفاتيح الجغرافيا ذات القيمة الاستراتيجية العالية (مثل البحر المتوسط وسد تشرين وحقول النفط).

وفي الوقت الذي تتراجع فيه القبضة المركزية لدمشق على الأطراف، وتحافظ واشنطن على قنوات مفتوحة مع الأكراد والعرب والفصائل المدعومة منها، تبدو سوريا مرشحة لتقسيم فعلي غير معلن، بحيث تُدار مناطق النفوذ عبر وكلاء محليين في ظل غياب حل سياسي شامل.

اللافت أن سوريا اليوم لم تعد الحليف العربي الموثوق لروسيا في الشرق الأوسط، بل باتت ساحة يتقاسمها الأمريكيون والأتراك والإيرانيون، فيما تنكفئ موسكو عن المشهد بفعل استنزافها في أوكرانيا وتراجع فعاليتها الدبلوماسية والعسكرية في المنطقة.

اقرأ أيضاً.. مناورات أوبانغامي 2025 بقيادة أفريكوم والأسطول السادس تعزز الأمن البحري في أفريقيا

زر الذهاب إلى الأعلى