يأس في غزة.. رواية جراح من آخر مستشفى: مستعدون للموت من أجل كيس أرز

مع دخول حرب غزة شهرها الحادي والعشرين، ترسم الدكتورة فيكتوريا روز، وهي جرّاحة تجميل بارزة من لندن، صورةً مروّعة للكارثة الطبية والإنسانية داخل القطاع.

بعد عودتها من مهمة استمرت 21 يومًا في مستشفى ناصر جنوب غزة، تصف الدكتورة روز واقعًا بالغ الصعوبة لدرجة أن المدنيين يُخاطرون بحياتهم يوميًا لمجرد تأمين الطعام. وتقول: “لقد وصلنا إلى مرحلةٍ وصل فيها الناس إلى مستوى من الحرمان لدرجة أنهم مستعدون للموت من أجل كيس أرز وقطعة معكرونة”.

مشاهد من مستشفى ناصر: إصابات جماعية وطاقم طبي مُثقل بالأعباء

في الأول من يونيو، وصلت الدكتورة روز إلى مستشفى ناصر – آخر مركز طبي رئيسي عامل في غزة – وسط إطلاق نار جماعي بالقرب من نقطة توزيع طعام. تتذكر غرفة الطوارئ وهي تمتلئ بسيارات الإسعاف وعربات الحمير وجثث القتلى.

تروي قائلةً: “بحلول الساعة العاشرة تقريبًا، كان لدينا نحو 20 جثة، ثم ما يقارب مائة إصابة بطلقات نارية”. معظم الإصابات كانت بطلقات نارية أصيب بها أشخاص كانوا يحاولون ببساطة الحصول على الطعام.

كانت الأسابيع الثلاثة التي قضتها في غزة هي رحلتها الثالثة منذ بدء الحرب. هذه المرة، شهدت تحولًا: فقد عانى المزيد من المرضى من حروق مدمرة، غالبًا ما تكون “لا تُشفى”، وإصابات بالغة ناجمة عن انفجارات. قالت الدكتورة روز: “كان الأطفال يأتون وقد فُقدت ركبهم وأقدامهم وأيديهم. لم أرَ هذا الكم وهذه الشدة من قبل”.

توزيع المساعدات والمخاطر المميتة

كان الكثير من العنف الذي عالجته الدكتورة روز مرتبطًا بتوزيع الغذاء. في ظل النظام الجديد لمؤسسة غزة الإنسانية (GHF) المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، أدى الندرة الشديدة والخطر المميت للاقتراب من مواقع المساعدات إلى خلق سوق سوداء للسلع ودفع المدنيين اليائسين إلى مرمى النيران.

وفقاً لوزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 700 فلسطيني وجُرح حوالي 5000 آخرين في حوادث إطلاق نار قرب نقاط الإغاثة منذ الأول من يونيو.

أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإصابة أكثر من 2200 مريض بالأسلحة منذ بدء نظام الإغاثة الجديد، واصفةً هذا العدد بأنه “غير مسبوق”. أفاد مرضى الدكتور روز باستمرار بتعرضهم لإطلاق النار من قبل الحراس أثناء بحثهم عن الطعام، وغالباً ما كانوا يحاولون الهرب. وكانت إصابات الرصاص في الساقين والبطن والجذع شائعة بشكل مأساوي.

تُشكك كل من إسرائيل ومؤسسة غزة الإنسانية في أعداد الضحايا التي أعلنتها وزارة الصحة، وتنفيان أي مخالفات في مواقع الإغاثة. ومع ذلك، لا تزال الروايات الميدانية للعاملين الطبيين، مثل الدكتور روز، من بين المصادر القليلة للشهادات المباشرة والموثوقة، نظراً لحظر إسرائيل على الصحفيين الأجانب دخول غزة خارج نطاق التغطية المُراقبة.

الأطفال والمجاعة: أصغر الضحايا

الأطفال هم وجوه معاناة غزة. كان أصغر مرضى الدكتورة روز طفلاً يبلغ من العمر ثلاثة أشهر مصابًا بحروق ناجمة عن انفجار قنبلة؛ أما حاتم، البالغ من العمر ثلاث سنوات، فقد عانى من حروق بنسبة 35%، ونُقل لاحقًا إلى أبوظبي لتلقي العلاج. قالت الدكتورة روز: “إنه حروق بالغة لطفل صغير”.

لكن بالنسبة للكثيرين، النجاة مستحيلة. سوء التغذية المنتشر، وسوء الصرف الصحي، ونقص المضادات الحيوية، كلها عوامل تُفاقم معاناة الأطفال الجرحى. وتشير إلى أن سوء التغذية يُضعف جهاز المناعة ويُعيق التئام الجروح، مما يجعل فرص النجاة أقل.

الخسائر في المنظومة الصحية في غزة وأبطال القطاع الطبي

تشهد البنية التحتية الطبية في غزة انهيارًا. ولا يزال مستشفى ناصر آخر مركز طبي رئيسي، حيث يُعاني زملاؤه من محدودية الموارد والحاجة المُلِحّة. تُشيد الدكتورة روز بهؤلاء العاملين الطبيين الفلسطينيين قائلةً: “يا له من فريق! … أناس رائعون يعملون طوال الوقت لمساعدة المحتاجين. إنهم الأبطال.”

اقرأ أيضًا.. الشرطة الفرنسية تداهم مقر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان.. ماذا حدث؟

الأزمة الإنسانية في سياقها

منذ بدء حرب إسرائيل على حماس، قُتل أكثر من 57 ألف شخص في غزة، وفقًا لوزارة الصحة، وهو تقدير يشمل آلاف الأطفال. وبينما تُحمّل إسرائيل حماس مسؤولية المذبحة، مُدّعيةً أن الحركة تُخفي مقاتلين بين المدنيين، فقد كشفت التحقيقات عن تراخي إسرائيل في إجراءاتها الأمنية لحماية المدنيين خلال الصراع.

تستمر جهود التفاوض على وقف إطلاق النار في الدوحة، لكن الأوضاع الإنسانية على الأرض مُزرية. تقول الدكتورة روز، التي عادت الآن إلى لندن، إنها لا تزال تُطاردها وجوه وقصص أولئك الذين لم تستطع إنقاذهم. “أنا لستُ مصدومة بعض الشيء، لكنني ما زلتُ أعيش الصدمة نوعًا ما.”

خواطر أخيرة: شهادة

تعكس شهادة الدكتورة روز، وقرارها بمشاركة مقاطع فيديو مُصوّرة من المستشفى، قناعتها بأن العالم يجب أن يرى واقع غزة. قالت: “كنتُ أعتقد أن الناس بحاجة إلى رؤية ما أراه”. وبالنسبة لها ولكثير من العاملين في المجال الإنساني، فإن المعاناة في غزة ليست مأساة بعيدة، بل حالة طوارئ مستمرة تتطلب الاهتمام والتحرك العاجل.

زر الذهاب إلى الأعلى