152 تريليون دولار.. الديون قنبلة موقوته تهدد الاقتصاد العالمي
القاهرة (خاص عن مصر) – تتصاعد أزمة الديون العالمية بوتيرة سريعة، لتصبح واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، وبالأخص بعد الحروب والصراعات السياسية التي تضرب أكثر من منطقة حول العالم.
وأصبحت أزمة الديون تشكل تهديدًا حقيقيًا للنمو الاقتصادي والاستقرار المالي للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حيث تعتمد هذه الأزمة بشكل كبير على التوترات الجيوسياسية وتأثير ارتفاع أسعار الفائدة، إلى جانب التكاليف المتزايدة لخدمة الديون.
ديون العالم بالأرقام
وفي تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، تشير الأرقام إلى تضخم الدين العالمي ليصل إلى 152 تريليون دولار، أي ما يعادل 225% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذه النسبة الضخمة تعكس الضغط المتزايد على الدول، خاصة تلك ذات الاقتصادات الضعيفة أو النامية.
اقرأ أيضًا: ما هي بدائل صندوق النقد الدولي؟.. هذه المؤسسات قد تنقذ مصر من جحيم الديون المشروطة
نمو الدين وتفاقمه
وتظهر الأرقام أن جائحة كوفيد-19 أسهمت بشكل كبير في تضخم الدين العالمي، فقد ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 17%، وفي الأسواق الناشئة بنسبة 12%، بينما شهدت الدول ذات الدخل المنخفض زيادة بنسبة 8%.
وهذه النسب الكبيرة تعكس حجم التأثير السلبي للجائحة على الاقتصاد العالمي، مع ارتفاع نفقات الحكومات وانخفاض الإيرادات نتيجة الركود الاقتصادي.
تأثير أسعار الفائدة على خدمة الديون
ومع محاولة البنوك المركزية حول العالم كبح التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، ارتفعت تكاليف الاقتراض بشكل ملحوظ، في حين تعتبر الدول النامية الأكثر تأثرًا، نظرًا لاعتمادها الكبير على الديون الخارجية المقومة بالدولار.
وقد أدى هذا إلى زيادة تكاليف خدمة الديون الخارجية بشكل كبير، مما يضع المزيد من الضغوط على اقتصادات هذه الدول.
الفوائد وأعباء خدمة الديون
وتأثير أسعار الفائدة المرتفعة كان مباشرًا على أعباء خدمة الديون. فعلى سبيل المثال، فإن ارتفاع الفائدة بمعدل 1% فقط يمكن أن يرفع تكلفة خدمة الديون بمليارات الدولارات في البلدان التي تعاني من مديونية كبيرة.
وفي تقرير صادر عن البنك الدولي، وجد أن الدول النامية تدفع سنويًا ما يعادل 60 مليار دولار لسداد الديون، وهو ما يفوق بكثير قدرة العديد من هذه الدول على تحمل الأعباء المالية، ما يعمق الأزمة المالية فيها.
الديون والدول النامية التحدي الأكبر
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن نحو 60% من الدول ذات الدخل المنخفض تعاني من ضغوط الديون، ما يجعلها تواجه أزمات اقتصادية مستمرة.
وفي ظل هذا الواقع، فإن أكثر من 15% من اقتصادات الأسواق الناشئة تعاني من ضغوط مالية حادة نتيجة لتزايد الديون وتباطؤ النمو الاقتصادي.
ومن بين هذه الدول نجد أن بعضًا منها مثل غانا، زامبيا، وتشاد، كانت بحاجة إلى إعادة هيكلة ديونها لتفادي انهيار اقتصادي شامل، فإعادة هيكلة الديون أصبحت ضرورة ملحة في هذه المرحلة لتخفيف الضغط على الاقتصادات الضعيفة، ولكن الإجراءات البيروقراطية تعرقل تحقيق ذلك بالسرعة المطلوبة.
اقرأ أيضًا: حوافز غير مسبوقة.. مصر تجذب 5 شركات عالمية للاستثمار في صناعة السيارات الكهربائية
الفقر المدقع وارتفاع تكاليف المعيشة
وبحسب تقرير البنك الدولي لعام 2024، فإن حوالي 8.5% من سكان العالم يعيشون في فقر مدقع، أي ما يقارب 692 مليون شخص يعيشون بأقل من 2.15 دولار في اليوم، وهذا يعكس التفاوت الكبير بين الأغنياء والفقراء في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب الأزمات المالية والديون المتراكمة.
ماذا قالت مديرة صندوق النقد الدولي؟
كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، ألقت الضوء على خطورة الوضع الاقتصادي الحالي، قائلة: “العالم يواجه مزيجًا قاسيًا من النمو البطيء وارتفاع الديون.”
وأضافت أن استمرار ارتفاع الأسعار وزيادة الألم الاقتصادي بسبب تباطؤ النمو وارتفاع الديون سيؤثران بشكل عميق على آفاق العديد من الدول.
وفي كلمتها خلال مؤتمر بريتون وودز، أوضحت أن مخاطر المناخ والتوترات الجيوسياسية تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي، مشيرةً إلى أن التجارة العالمية تنمو بشكل أبطأ من المتوقع، بينما تقدر نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 3.2% لعام 2024 و3.3% لعام 2025.
كما أكدت جورجيفا أن الدول بحاجة ماسة إلى تعلم كيفية التعاون مرة أخرى لتحقيق الرخاء المتبادل، مشددة على أهمية العمل الجماعي لمواجهة التحديات المشتركة، لافتًا إلى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة ربما تشكل أحد المواضيع المتكررة في المناقشات الاقتصادية، ما يزيد من الضبابية المحيطة بمستقبل الاقتصاد العالمي.
الحلول المطروحة لمواجهة أزمة الديون
على الرغم من حجم الأزمة، هناك مجموعة من الحلول المقترحة لمعالجة مشكلة الديون العالمية، يمكنها أن تخلص العالم من أزمة اقتصادية قد تعصف بالعالم ككل.
إعادة هيكلة الديون
وتبرز إعادة هيكلة الديون كواحدة من أبرز الحلول، حيث تمثل إطارًا مشتركًا بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإسراع في تقديم المساعدة للدول المثقلة بالديون، وهذه العملية تسهم في توفير تسهيلات مالية للبلدان الأكثر تضررًا، مثل تشاد وغانا، وقد تكون أداة فعالة لتجنب حدوث أزمات اقتصادية أشد.
النمو الاقتصادي كحل دائم
الحل الأساسي لتخفيف أعباء الدين هو تعزيز النمو الاقتصادي للدول المتضررة، فالنمو السريع يزيد من الإيرادات الحكومية، وبالتالي يقلل من الاعتماد على الاقتراض الخارجي، وتحقيق نمو بنسبة 3.2% في عام 2024 و3.3% في 2025، كما يتوقع صندوق النقد الدولي، قد يوفر للدول بعض الهامش المالي لمواجهة هذه الأزمة.
اقرأ أيضًا: اقتصاد العالم في قبضة مصر.. الموانئ المصرية تسيطر على حركة التجارة الدولية
التعاون الدولي والمساعدات
تتطلب الأزمة تعاونًا دوليًا مكثفًا، حيث يمكن للدائنين تقديم مساعدات مالية أو إعادة جدولة المديونيات بشكل يقلل من الأعباء على الدول المتضررة، وقد اقترحت مديرة صندوق النقد الدولي، أن البلدان تحتاج إلى إعادة تعلم كيفية العمل معًا لتحقيق الرخاء المتبادل.
إصلاح النظام المالي الدولي
الإصلاحات في النظام المالي الدولي ضرورية لضمان قدرة الدول على التعامل مع الأزمات المستقبلية، وتحسين آليات الإقراض وإعادة الهيكلة السريعة يمكن أن يقلل من التأخير في تقديم المساعدات المالية.
وفي ظل استمرار الحروب والتوترات الجيوسياسية وارتفاع تكاليف المعيشة، تتفاقم الأزمة العالمية وتؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، في حين الحلول المقترحة، بما في ذلك تعزيز التعاون الدولي، إعادة هيكلة الديون، والنمو الاقتصادي، تمثل نقاطًا محورية للخروج من هذه الأزمة.
ويتطلب النجاة من هذا المأزق جهودًا جماعية ومستمرة لضمان استقرار النظام المالي العالمي ومنع انهيارات اقتصادية كبرى قد تعصف بالدول النامية والناشئة على وجه الخصوص.