5 محطات نووية في الشرق الأوسط وأفريقيا.. تعرف على مشروعات الطاقة النووية الأضخم في الإقليم

بين القاهرة وأبو ظبي، وأنقرة وكيب تاون وطهران، تتسابق دول الشرق الأوسط وأفريقيا لتأمين مستقبلها الطاقوي عبر المشاريع النووية السلمية، في مشهد يعكس تحولات استراتيجية كبرى نحو الاعتماد على مصادر نظيفة وموثوقة للطاقة.

1-الإمارات.. براكة ترسي معيارًا عربيًا للطاقة النووية

في إنجاز غير مسبوق عربيًا، أصبحت محطة “براكة” الواقعة بمنطقة الظفرة في أبو ظبي أول محطة نووية تجارية مكتملة في الشرق الأوسط، وقد بدأ تشغيل أولى وحداتها عام 2020، فيما دخلت الوحدة الرابعة الخدمة الكاملة في سبتمبر 2024.

تستخدم المحطة مفاعلات APR-1400 الكورية الجنوبية، بطاقة إجمالية 5600 ميجاوات، لتُغطي نحو ربع استهلاك الدولة من الكهرباء، وتُسهم في خفض نحو 22 مليون طن من انبعاثات الكربون سنويًا.

ويعود الفضل في نجاح المشروع إلى الإدارة الدقيقة من مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، والشراكة القوية مع كوريا الجنوبية، فضلًا عن نموذج الحوكمة الصارم والتراخيص الشفافة التي أشرفت عليها الهيئة الاتحادية للرقابة النووية.

محطة براكة النووية – الإمارات

2-مصر تدخل العصر النووي من بوابة “الضبعة”

رغم أن فكرة دخول مصر المجال النووي تعود إلى خمسينات القرن الماضي، فإن التنفيذ الفعلي لم يبدأ إلا في ديسمبر 2017 بعد توقيع الاتفاق الإطاري مع شركة “روساتوم” الروسية، ويضم المشروع أربعة مفاعلات من طراز VVER-1200 بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، وهي من الجيل الثالث المتقدم الذي يتميز بمعايير أمان صارمة.

الحلم الذي ظل على الورق لعقود، يتحول اليوم إلى واقع. حيث من المقرر بدء التشغيل التجاري للوحدة الأولى في النصف الثاني من 2028، تليها باقي الوحدات في 2029، ضمن جدول زمني دقيق يخضع للمتابعة المستمرة.

تركيب وعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل محطة الضبعة
محطة الضبعة النووية – مصر

3-تركيا.. أكّويو بين الطموح النووي والجدل السياسي

تُعد محطة “أكّويو” أول مشروع نووي في تركيا، ويُنفذ بنظام (Build – Own – Operate) مع شركة روساتوم الروسية التي تمتلك وتمول وتُشغّل المحطة بالكامل. يتكون المشروع من 4 مفاعلات VVER-1200 بقدرة إجمالية تبلغ 4456 ميجاوات.

دخلت الوحدة الأولى مرحلة التشغيل التجريبي في يوليو 2025، وسط تطلعات بأن تكتمل كافة الوحدات بحلول 2028. ورغم هذا التقدم، واجه المشروع سلسلة من الأزمات، أبرزها احتجاجات عمالية حادة، وتعطيل في سلاسل التوريد، وخلافات داخلية بشأن التبعية الكاملة للشريك الروسي.

محطة أكويو النووية – تركيا

4-جنوب أفريقيا.. كويبرغ تحافظ على ريادتها

محطة “كويبرغ” القريبة من كيب تاون هي الوحيدة من نوعها في أفريقيا حتى الآن، وتعمل منذ 1984 بوحدتين من طراز PWR فرنسي. وبقدرة 1860 ميجاوات، تُسهم المحطة في تغطية نحو 5% من احتياجات الكهرباء في البلاد.

رغم مرور أربعة عقود على تشغيلها، حصلت المحطة مؤخرًا على ترخيص بتمديد التشغيل حتى 2044، بعد خضوعها لتحديثات فنية وتقنية. كما أعلنت الحكومة عن نيتها طرح مناقصات لإنشاء وحدات جديدة بقدرة 2500 ميجاوات، بالتوازي مع دراسة مشاريع المفاعلات الصغيرة (SMR).

محطة كويبرغ النووية – جنوب أفريقيا

5- إيران.. بوشهر تمهد الطريق للطاقة النووية

رغم العقوبات والضغوط الدولية، استطاعت إيران تشغيل أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء في مدينة بوشهر على ساحل الخليج العربي. بدأ تشغيل المحطة عام 2011 بمفاعل من طراز VVER-1000 روسي الصنع، بقدرة إنتاجية تبلغ نحو 1000 ميجاوات، مما يجعلها أول دولة في الشرق الأوسط تطور برنامجًا نوويًا مدنيًا منذ نهاية القرن العشرين.

تسير إيران حاليًا في خطوات توسعية بإضافة وحدتين جديدتين (بوشهر 2 و3) بالتعاون مع شركة روساتوم، لرفع القدرة الإجمالية إلى 3000 ميجاوات خلال السنوات المقبلة. وتؤكد طهران أن برنامجها النووي مخصص بالكامل لأغراض سلمية، ويهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة.

ورغم القيود الفنية والمراقبة الدولية، يمثل مشروع بوشهر خطوة محورية في مساعي إيران لبناء قطاع طاقة نووية مستدام، وسط تحديات جيوسياسية معقدة ومراقبة مستمرة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

محطة بوشهر النووية – إيران

مشهد نووي يتشكل

تشهد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تحولًا استراتيجيًا نحو تبني الطاقة النووية، في مسعى لتأمين مصادر طاقة مستدامة وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية. لكن رغم هذا التوجه المشترك، فإن النماذج المعتمدة تمضي في مسارات متباينة تعكس تباين الأولويات في التمويل والسيادة والحوكمة.

ففي مصر، تراهن الدولة على بناء قدرة تشغيل ذاتية مدعومة بشراكة استراتيجية مع روسيا، حيث تسعى القاهرة إلى تعزيز كوادرها المحلية عبر التدريب والنقل التدريجي للخبرات. بينما اختارت الإمارات العربية المتحدة نموذجًا تجاريًا متكاملًا منذ وقت مبكر، أصبح لاحقًا معيارًا إقليميًا للنجاح في إدارة وتشغيل محطات الطاقة النووية.

اقرأ أيضا.. رغم تساوي الإنتاج.. لماذا تنفق مصر 30 مليار دولار على الضبعة النووية مقابل 2.5 مليار لمحطة سيمنس؟

أما تركيا، فاختارت نموذج التمويل الكامل عبر الطرف الروسي، لكنها تنازلت في المقابل عن جزء من سيادتها التشغيلية لصالح المستثمر الأجنبي، وهو خيار أثار نقاشات واسعة في الداخل التركي، وفي المقابل، تسعى جنوب أفريقيا إلى تجديد بنيتها النووية والحفاظ على مكانتها كأحد أقدم منتجي الطاقة النووية في القارة، وسط تحديات تقنية وتمويلية متراكمة.

ويُجمع الخبراء على أن مستقبل النجاح في هذا القطاع الدقيق سيكون مرهونًا بقدرة كل دولة على موازنة التكنولوجيا مع الاستقلال، والتمويل مع السيادة، والتشغيل مع معايير الأمان، في مجال لا يتحمل هامشًا للخطأ.

زر الذهاب إلى الأعلى