600 مليون دينار تمهد الطريق.. الكويت تطلق أكبر موجة تمويل سيادي في تاريخها

في تحرُّك مالي لافت يعكس توجهات الدولة نحو تنويع مصادر التمويل، كشفت مصادر مصرفية وإعلامية أن الحجم الإجمالي لإصدارات الدين السيادية التي طُرحت محليًا في الكويت بلغ 600 مليون دينار كويتي، موزعة على إصدارين: الأول بقيمة 500 مليون دينار تم الأسبوع الماضي، تبعته دفعة إضافية بقيمة 100 مليون دينار بآجال استحقاق تصل إلى عامين.

وتهدف هذه الإصدارات، التي شملت أدوات دين تقليدية وأخرى متوافقة مع الشريعة الإسلامية، تهدف إلى تمويل مشروعات تنموية كبرى وتعزيز استدامتها، بالإضافة إلى سد أي عجوزات محتملة في الميزانية العامة للدولة، بحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية نقلا عن مصادر مالية مطلعة.

دور فاعل للمصارف المحلية في تنفيذ الخطط التنموية

كما أشارت المصادر إلى أن المصارف الكويتية، والتي تتمتع بمستويات مرتفعة من كفاية رأس المال، تُعد طرفا أساسيا في هذه العملية التمويلية، نظرا لما تمتلكه من سيولة ضخمة.

وتؤكد هذه المؤسسات قدرتها على توظيف جزء من هذه السيولة عبر المشاركة في خطط الدولة لتنويع أدوات الدين وتنمية الاقتصاد المحلي.

وفي هذا السياق، لفتت مصادر مصرفية إلى أن الطروحات الحالية لن تؤثر سلبا على تمويل المشاريع الكبرى أو حركة النشاط الاقتصادي، بل على العكس، ستسهم في تحفيز الأسواق وزيادة الإقبال على الاكتتابات في الإصدارات السيادية المقبلة.

استعدادات لطرح دولي بـ 6 مليارات دولار

وبالتوازي مع هذه الخطوات المحلية، ذكرت المصادر أن الهيئة العامة للاستثمار تدرس حاليا مدى استعداد المصارف الأجنبية ومؤسسات التمويل العالمية للمشاركة في إصدار سيادي جديد بقيمة 6 مليارات دولار على شكل سندات مقوّمة بالدولار.

وتوقعت المصادر أن تحظى هذه الطروحات بتغطية سريعة وتسعير تنافسي، نظرا لما تتمتع به الكويت من جودة التصنيفات الائتمانية وملاءة مالية مرتفعة، فضلا عن انخفاض مستوى الدين العام ووجود واحد من أقوى الصناديق السيادية على مستوى العالم.

قانون الدين العام: خطوة استراتيجية لإدارة السيولة

ويأتي هذا الحراك المالي في ظل اعتماد قانون جديد للدين العام بعد ثماني سنوات من الجمود، وهو جزء من حزمة إصلاحات اقتصادية تهدف إلى خلق بدائل تمويلية للدولة بعيداً عن السحب من صندوق الاحتياطي العام.

ويتيح هذا القانون إصدار سندات وصكوك بآجال استحقاق تصل إلى 50 عاما وبسقف اقتراض يبلغ 30 مليار دينار كويتي.

ويُنظر إلى القانون كأداة استراتيجية لزيادة مرونة الدولة في التعامل مع التحديات المالية المستقبلية، وتمكينها من تمويل احتياجاتها دون المساس بالاحتياطي السيادي.

سيولة محلية ضخمة تنتظر التوظيف

وبحسب بيانات مصرفية، فإن حجم السيولة المتوفرة في القطاع المصرفي الكويتي كبير للغاية، إذ يقدّر حجم الحسابات والودائع تحت الطلب لدى بنك الكويت المركزي بـ 4.92 مليارات دينار، إضافة إلى 750.2 مليون دينار في ودائع لأجل وتورق، و1.345 مليار دينار في سندات وتورق مقابل.

وتؤكد المصادر أن هذه السيولة الكبيرة تتطلب إدارة نشطة من “المركزي”، من خلال طرح أدوات دين وتورق جديدة، وهو ما يفسر الدور التشاركي المرتقب للمصارف في الطرح السيادي المقبل، ما يخفف من الكلفة ويرفع كفاءة توظيف السيولة.

فرص استثمارية بلا أعباء تذكر

ورغم الحجم الكبير لهذه الإصدارات، ترى البنوك المحلية أنها قادرة على تغطيتها بالكامل، أسوة بإصدارات “المركزي” التي عادة ما تتم تغطيتها مرتين أو ثلاث مرات.

وتضيف المصادر أن هذه الإصدارات تمنح البنوك فرصة جيدة لتوظيف سيولتها في قروض ذات مخاطر محدودة للغاية، في ظل انخفاض ديون الكويت، وارتفاع احتياطياتها واستثماراتها، خاصة عبر الصندوق السيادي الكويتي المصنف ضمن الأضخم عالمياً.

وتبلغ مطالب البنوك المحلية على الحكومة حالياً نحو 337.3 مليون دينار، أي ما يعادل قرابة 1.1 مليار دولار، وهي قيمة تُعد محدودة نسبياً، ما يعزز قدرة القطاع المصرفي على تحمل مزيد من الالتزامات الحكومية دون أن تتأثر سيولته أو نشاطه الاقتصادي.

أدوات الدين بوابة نحو اقتصاد أكثر استدامة

تشير هذه الخطوات إلى توجه واضح لدى الحكومة الكويتية نحو تفعيل أدوات الدين كوسيلة تمويل بديلة، بدلا من الاعتماد التقليدي على الاحتياطيات أو الموارد النفطية.

اقرأ أيضًا: إيران أمام الأمم المتحدة: برنامجنا النووي لن يتوقف أبدا

وبينما تلعب المصارف المحلية دورا محوريا في هذا التوجه، فإن الانفتاح على التمويل الدولي يعزز صورة الكويت كدولة مالية مستقرة ذات تصنيف سيادي مرتفع، ويُسهم في جذب المزيد من المستثمرين والمؤسسات المالية العالمية.

بذلك، تُعد هذه الإصدارات السيادية بمثابة رؤية مالية استراتيجية تسهم في ترسيخ قواعد التمويل المستدام ودعم النمو الاقتصادي طويل الأجل في الكويت.

زر الذهاب إلى الأعلى