96 مليار دولار مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي للإمارات بحلول 2031

بفضل رؤية استراتيجية وشراكات مع عمالقة التكنولوجيا، تسير دولة الإمارات بخطى ثابتة نحو جعل الذكاء الاصطناعي (AI) محورا أساسيا في اقتصادها الوطني.
ووفقا لتقديرات محللين، يتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 96 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2031، مع تحقيق نمو سنوي يتراوح بين 20% و30%.
ويكشف تقرير صادر عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) أن الذكاء الاصطناعي سيمثل 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، وهي النسبة الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي، متفوقة على السعودية (12.4%) وبقية دول الخليج (8.2%)؛ مما يبرز المكانة الرائدة للإمارات إقليميا في توظيف الذكاء الاصطناعي لتعزيز اقتصاد المستقبل.
رؤية وطنية طموحة وتقدير عالمي
ومنذ إطلاق “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031” في عام 2017، وضعت الإمارات نصب أعينها هدفا واضحا: أن تكون من بين الدول الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتركز هذه الاستراتيجية على توظيف الذكاء الاصطناعي في مجالات حيوية تشمل النقل، الفضاء، الطاقة المتجددة، المياه، التعليم، البيئة، والرعاية الصحية، خاصة في مكافحة الأمراض المزمنة.
ولم تمر هذه الجهود دون أن تحظى بتقدير عالمي، حيث حلت الإمارات في المرتبة الخامسة عالميا ضمن “أداة قياس حيوية الذكاء الاصطناعي” التي تطلقها جامعة ستانفورد، في إشارة إلى سرعة الدولة في تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية
ويعتمد نجاح استراتيجية الذكاء الاصطناعي في الإمارات على قاعدة تقنية صلبة واستثمارات ضخمة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فقد اجتذبت الدولة بين عامي 2020 و2025 استثمارات أجنبية مباشرة جديدة بقيمة 4.89 مليار دولار في هذا القطاع، بزيادة تجاوزت 60% عن المخزون القائم.
وفي بداية عام 2025 وحد، شهدت الدولة تدفق استثمارات إضافية بقيمة 220.6 مليون دولار في مراكز البيانات، بالتزامن مع إعلان شراكة استراتيجية بين شركة مايكروسوفت وشركة G42 لتطوير بنية تحتية سحابية سيادية في أبوظبي، بهدف تمكين ما يزيد عن 11 مليون تفاعل رقمي يوميا بين المواطنين، الجهات الحكومية، وقطاع الأعمال، في إطار خطة طموحة لتحويل حكومة أبوظبي إلى أول “حكومة قائمة على الذكاء الاصطناعي” في العالم بين عامي 2025 و2027.
ستارجيت الإمارات والسباق نحو سعة البيانات
وفي قلب جهود الإمارات في بناء اقتصاد رقمي يقبع مشروع ستارجيت الإمارات، وهو مجمع ضخم لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بقدرة تصل إلى 5 جيجاوات، تقوده G42 بالشراكة مع شركات رائدة مثل “أوبن آيه آي OpenAI” و”نيفاديا Nvidia” و”سيسكو Cisco” و”أوراكل Oracle” و”سوفت بانك SoftBank”.
ومن المقرر أن تنجز المرحلة الأولى منه في عام 2026 بقدرة 200 ميجاوات.
وحول التحديات المرتبطة بهذا النوع من المراكز، أوضح مايد الراشدي، مدير البحوث الاقتصادية في بنك الإمارات دبي الوطني، أن تكلفة بناء مركز بيانات “فائق الحجم” باستخدام شرائح H100 من “نيفاديا Nvidia” يمكن أن تتجاوز 300 مليون دولار، إذ يبلغ سعر كل وحدة 30 ألف دولار، وقد يتطلب المركز الواحد 10,000 وحدة على الأقل.
وأضاف الراشدي أن “مركز بيانات واحد بسعة 100 ميجاوات يستهلك طاقة تعادل استهلاك 350 إلى 400 ألف سيارة كهربائية سنويًا”، مما يعكس حجم الطلب الكبير على الطاقة.
تنافس بين أبوظبي ودبي في عدد وقيمة مراكز البيانات
وتمتلك الإمارات أعلى عدد من مراكز البيانات في المنطقة بواقع 35 مركزا، تتوزع بين دبي (18 مركزا) وأبوظبي (16 مركزا). لكن رغم تفوق دبي عدديا، إلا أن أبوظبي تتصدر من حيث القيمة، إذ تبلغ قيمة أصول مراكز البيانات فيها 1.23 مليار دولار، مقارنة بـ 815 مليون دولار في دبي.
وحتى عام 2026، من المتوقع أن يكتمل بناء 11 مركزا جديدا بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى ستة مراكز أخرى في مرحلة ما قبل التنفيذ، تقدر قيمتها بنحو 41 مليار دولار، معظمها مخصص لمشروع الذكاء الاصطناعي الإماراتي–الأمريكي بقيادة G42.
تغيير السياسة الأمريكية يُعيد الزخم للمشروع
وقد واجهت مساعي الإمارات تحديا تمثل في “قانون انتشار الذكاء الاصطناعي” الأمريكي الذي فرض قيودا على تصدير الشرائح المتقدمة مثل H100 وH200 من Nvidia.
لكن، خلال زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لأبوظبي في مايو 2025، تم إلغاء هذا القانون، مما سمح للإمارات باستيراد ما يصل إلى 500,000 شريحة من أحدث تقنيات “نيفاديا Nvidia” سنويا.
وصرّح الراشدي أن “هذا التراجع أعاد إحياء مشاريع مراكز البيانات في الإمارات، ومن المتوقع أن يسرع من تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في البلاد”.
الإمارات ثاني أكبر مستثمر عالميا في مشاريع البنية الرقمية
عالميا، تحتل الإمارات المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشاريع البنية التحتية الرقمية، بقيمة 70.6 مليار دولار موزعة على 30 مشروعا.
كما تتفوق من حيث متوسط الإنفاق لكل مشروع، إذ يصل إلى 2.35 مليار دولار، مقابل 378.6 مليون دولار للمشروع الواحد في الولايات المتحدة.
ومن بين أبرز أدوات الدولة الاستثمارية، يأتي صندوق MGX، الذي أطلقته كل من G42 ومبادلة برأسمال قدره 100 مليار دولار. وقد استثمر الصندوق 43.4 مليار دولار في مشاريع استراتيجية، منها بناء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي في أوروبا (فرنسا) بسعة 1.4 جيجاوات، إلى جانب مشروع Stargate USA، بقيمة 500 مليار دولار لبناء 20 مركز بيانات في الولايات المتحدة.
وفي أكتوبر 2024، ضخت MGX استثمارا بقيمة 6.6 مليار دولار في شركة “أوبن آيه آي OpenAI”، التي تضاعفت قيمتها السوقية منذ ذلك الحين إلى نحو 300 مليار دولار.
اقرأ أيضا.. عندما يقترب البشر.. حلقات فقاعية غريبة من الحيتان تكشف أسرار التواصل الكوني وعلاقتها بالفضاء
دور فاعل للشركات الخاصة
ولم تقتصر مسيرة التحول الرقمي على الجهات الحكومية فقط، بل كان للقطاع الخاص دور كبير. فقد احتلت شركة داماك القابضة المرتبة الرابعة عالميا في الاستثمار الأجنبي المباشر في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، بعد استثمارها أكثر من 20 مليار دولار في مراكز بيانات بالولايات المتحدة.
كما استثمرت داماك 852 مليون دولار في ثلاثة مواقع بالمملكة العربية السعودية (الرياض، الدمام، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية)، بالإضافة إلى توسعها في أسواق مثل اليونان، إسبانيا، تركيا، ماليزيا، إندونيسيا، الأردن، وأيرلندا.