أزمة طاقة عالمية على الأبواب.. هل تستخدم إيران موقعها الجغرافي لتهديد أمن النفط؟

وصل الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران إلى منعطف جديد وخطير، حيث استهدفت الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة بنى تحتية رئيسية للطاقة في إيران، ما يهدد بتوسيع رقعة النزاع إلى أزمة طاقة عالمية.
ومن بين المنشآت المتضررة محطة فجر جم لمعالجة الغاز بالقرب من بوشهر، وموقع المرحلة 14 الضخم من حقل بارس الجنوبي للغاز، وهو الأكبر في إيران.
وأدت الضربات إلى تعطل إنتاج نحو 12 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، ما يعادل تقريبا 10% من الإنتاج الوطني الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت مصادر إخبارية إيرانية بتدمير العديد من مستودعات الوقود بالقرب من طهران، بينما التهمت النيران مصفاة شهر ري النفطية. وبدورها.
وأفادت التقارير بأن إيران قصفت مصفاة بازان النفطية الإسرائيلية في حيفا بصاروخ، وهو تصعيد مقلق في استهداف البنية التحتية للطاقة المدنية.
الأسواق تترقب: تحركات محسوبة أم مقدمة لعاصفة أكبر؟
ووفقا لـ “ذا ناشونال نيوز”، فإن هذه المواجهة، التي تُضاف إلى حالة عدم الاستقرار العالمي، تفاقم القلق بشأن أمن الطاقة العالمي.
فبينما ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 7 دولارات للبرميل عقب الهجمات، ظل رد فعل السوق الأوسع نطاقا متزنا حتى الآن. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي بأقل من 5%، لكن المحللين يتوقعون مزيدا من التقلبات.
وعلى الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بقطاع الطاقة المحلي الإيراني، لم تتأثر الأسواق العالمية بشدة بعد.
وحسب الخبير روبرت تولاست، فإن “هامش الأمان يضيق بشكل خطير، وقد تنقلب المعادلة في حال استُهدفت منشآت التصدير مثل جزيرة خرج”.
وحتى الآن، امتنعت إسرائيل عن ضرب هذه المنشآت لتفادي تفجير أزمة عالمية فورا، ما يشير إلى أن التصعيد لا يزال تحت سقف “الردع المحسوب”.
ضمانات التوازن النفطي هشة.. ماذا لو توقف نفط إيران؟
ولا تزال صادرات إيران النفطية، الموجهة بشكل كبير إلى الصين، عند حوالي 1.5 مليون برميل يوميا. وفي حال توقف هذه الصادرات تماما بسبب العقوبات الأمريكية أو الضربات المباشرة، فقد تُعوض الطاقة الإنتاجية الفائضة في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اضطرابات السوق.
لكن هذه الفرضية تعتمد على عامل هش وهو أن إيران لن تصعد، كما أن أي هجوم على جزيرة خرج أو مضيق هرمز سيؤدي إلى شل الصادرات العالمية، خصوصا من الخليج.
الأهداف الجيوسياسية الأساسية: أكثر من مجرد طاقة
لا يقتصر النزاع على حسابات الطاقة فقط، بل يتداخل مع أهداف استراتيجية وجيوسياسية كبرى. تقول الدكتورة سارة ميرزاي، مؤرخة الشرق الأوسط، إن “الهدف المعلن بإسقاط النظام أو وقف البرنامج النووي الإيراني غير واقعي دون تدخل أمريكي واسع”.
حتى في حال تغيير النظام، قد يرى أي نظام بديل أن امتلاك السلاح النووي ضرورة استراتيجية، لا خيارا.
وتستحضر ميرزاي مقولة الشاه الإيراني السابق: “إذا بدأت الدول الصغيرة ببناء أسلحة نووية، فقد تضطر إيران لإعادة النظر في سياستها”، وهي عبارة تكتسب اليوم وزنا استثنائيا في ضوء التهديدات الحالية.
لا تزال ذكرى الحرب الإيرانية العراقية، التي عانى فيها المدنيون من قصف متواصل، حاضرة في أذهان الإيرانيين.
وقد تعزز هذه الصدمة الوطنية المقاومة بدلا من أن تفضي إلى تغيير النظام، بغض النظر عن مدى عدم شعبية الحكومة الحالية.
مخارج دبلوماسية محدودة.. ومخاطر استراتيجية متزايد
وُجهت انتقادات للدبلوماسية الأمريكية باعتبارها غير متسقة أو غير فعالة، مما يُضيق آفاق التوصل إلى حل سلمي. ومع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا وغياب الصين إلى حد كبير، لا يبدو أن أي وسيط موثوق مستعد للتدخل.
يجادل خبير العلاقات الدولية كمال حداد قائلا: “لن يرغب القادة الإيرانيون في أن ينظر إليهم وهم يستسلمون تحت الإكراه”.
ويشبه حداد استئناف المفاوضات بمعاهدتي تركمانشاي وجولستان المهينتين في القرن التاسع عشر، واللتين شهدتا تنازل إيران عن أراض كبيرة لروسيا.
وبالنظر إلى اغتيال قادة إيرانيين بارزين وإلحاق الضرر بالمنشآت العسكرية والنووية، قد لا تسعى إيران إلى وقف إطلاق نار مؤقت كما حدث في أبريل 2024.
ومع ذلك، لا تزال خيارات النظام الانتقامية محدودة. قد يؤدي هجوم مباشر واسع النطاق على إسرائيل إلى ردود فعل انتقامية مدمرة، وربما يجر الولايات المتحدة إلى التدخل.
طرق إمداد الطاقة.. نفوذ طهران المحتمل
وتكمن إحدى أوراق إيران المتبقية في تفوقها الجغرافي على نقاط الاختناق الحيوية للطاقة؛ إذ لا يزال مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20 مليون برميل من النفط يوميا، نقطة ضغط قوية.
وسيؤدي أي اضطراب فيه إلى عواقب عالمية وخيمة، لا سيما على القدرة التصديرية لدول أوبك+.
في حين أن المملكة العربية السعودية قادرة على إعادة توجيه بعض صادراتها عبر البحر الأحمر، وتعتمد الإمارات العربية المتحدة على خطوط الأنابيب المؤدية إلى الفجيرة، لكن كلا الخيارين يعاني من ثغرات.
أما العراق، فبـ 3.3 مليون برميل يوميا عبر الخليج، يبقى عرضة لـ”الحوادث” المفاجئة.
ويمر جزء كبير من الغاز الطبيعي المسال العالمي، بما في ذلك إمدادات قطر الهائلة، عبر المنطقة. وبذلك ستكون أوروبا، المنقطعة بالفعل عن معظم الغاز الروسي، عرضة بشدة لمزيد من الانقطاعات.
تشير ليلى بارفين، الخبيرة الاستراتيجية في مجال الطاقة، إلى أن “طهران قد تلجأ إلى الرد من خلال إجراءات غير متكافئة – استهداف تدفقات الطاقة حيث يشعر الغرب بذلك أكثر”.
ومع ذلك، فإن هذا أيضا ينطوي على مخاطر عالية، فقد يُنفّر حلفاء مثل الصين ويزيد من عزلة إيران الاقتصادية.
اقرأ أيضا.. مع قصف مناطق سكنية بطهران.. ترامب يتوقع سلامًا قريبًا بين إسرائيل وإيران
هل تضغط إيران بالورقة الأخيرة؟
قد يشعر النظام الإيراني أن استراتيجيته السابقة القائمة على الصبر الاستراتيجي قد فشلت. مع انغلاق السبل الدبلوماسية وتصاعد الهجمات، قد تستنتج طهران أن ضبط النفس لم يجنها شيئا.
وعلى الرغم من تراجع قدراتها في أعقاب اغتيالات شخصيات بارزة وخسائر في البنية التحتية، قد تجد إيران سبلا للرد. حتى قوات الحوثيين ضعيفة التجهيز عطلت الشحن في البحر الأحمر على الرغم من التدخل البحري الأمريكي، مما يؤكد أن الصراعات الحديثة لم تعد تعتمد على الحرب المتطورة فحسب.
وستكون الأسابيع المقبلة حاسمة، إذا اختارت إيران استغلال موقعها الجغرافي في مجال الطاقة للرد. فقد يواجه العالم أزمة طاقة شاملة – أزمة خياراتها محدودة لتهدئة الوضع، وخياراتها للتوصل إلى حل دائم أقل.