أسعار الإيجارات في مصر بعد عودة السودانيين.. السوق يترقب مرحلة إعادة التوازن

تشهد أسعار الإيجارات في مصر حالة من الترقب بعد بدء عودة السودانيين إلى بلادهم والخروج التدريجي من المدن المصرية التي شهدت ضغطًا كبيرًا على الوحدات السكنية خلال العامين الماضيين.
فمع هذا التغير الكبير، تثار التساؤلات حول مستقبل الإيجارات: هل تتراجع الأسعار بعد موجة الصعود غير المسبوقة أم أن السوق سيظل متماسكًا بفعل عوامل أخرى؟
طفرة غير مسبوقة في أسعار الإيجارات بسبب الوافدين
شهدت أسعار الإيجارات في مصر، وخاصة في القاهرة الكبرى والإسكندرية، قفزات قياسية منذ اندلاع الأزمة السودانية في أبريل 2023.
فقد تسبب تدفق مئات الآلاف من السودانيين إلى مصر في زيادة غير طبيعية للطلب على الشقق المفروشة وغير المفروشة، لدرجة أن بعض المناطق شهدت تضاعف الأسعار أكثر من مرة خلال أشهر قليلة.
في مناطق مثل فيصل والهرم، ارتفعت أسعار الإيجارات للشقق المفروشة بنسبة 200% إلى 300% مقارنة بعام 2022، وفقًا لتقارير الوسطاء العقاريين.
وأدى هذا الارتفاع إلى أزمة حادة بين المستأجرين المصريين، خاصة من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة، الذين اضطروا إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة في أطراف المدن.
بدء عودة السودانيين وتأثيرها على سوق الإيجارات
مع بداية عودة آلاف السودانيين إلى بلادهم خلال الأشهر الماضية، ظهر تأثير واضح على حركة الطلب في سوق الإيجارات المصرية.
وأشار العديد من السماسرة إلى انخفاض معدلات الاستفسارات عن الشقق المفروشة بنسبة تجاوزت 40% منذ يونيو 2025، وهو ما انعكس تدريجيًا على الأسعار.
في هذا السياق، توقع خبراء عقاريون أن يشهد السوق:
تراجعًا طفيفًا في الأسعار يتراوح بين 10% و20% في الأحياء التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الطلب من السودانيين.
استقرارًا نسبيًا في المناطق الراقية مثل التجمع الخامس والشيخ زايد، حيث يعتمد الطلب على شرائح أخرى مثل المغتربين والسياح والعمالة الأجنبية.
عوامل تحدد مستقبل أسعار الإيجارات في مصر
الإصلاحات التشريعية
أقر البرلمان المصري في يوليو 2025 تعديلات جديدة على قوانين الإيجار القديم، تهدف إلى تحرير السوق تدريجيًا. هذه التعديلات من المتوقع أن تضيف آلاف الوحدات السكنية إلى سوق الإيجارات خلال العام المقبل، ما قد يسهم في خفض الأسعار أو على الأقل منعها من الصعود مجددًا.
التضخم وارتفاع تكاليف البناء
رغم عودة السودانيين، تظل هناك عوامل تضغط على الأسعار، أبرزها التضخم الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة الإنشاءات والصيانة، ما يجعل الملاك أكثر تمسكًا بمستويات إيجارية مرتفعة لتعويض مصروفاتهم.
تغير أنماط الطلب
بدأت تظهر أنماط جديدة في سوق الإيجارات مثل:
الإيجار قصير الأجل من خلال منصات إلكترونية تستهدف العاملين عن بُعد والسياح.
الوحدات المفروشة الفاخرة التي تجذب شريحة مختلفة من العملاء مقارنة بالسودانيين الذين كانوا يبحثون عن شقق اقتصادية أو متوسطة.
سيناريوهات مستقبلية لسوق الإيجارات
السيناريو الأول: التراجع التدريجي
يتوقع بعض الخبراء أن تتراجع أسعار الإيجارات تدريجيًا مع انخفاض الطلب الاستثنائي من السودانيين، خاصة في المناطق الشعبية والمتوسطة.
السيناريو الثاني: الاستقرار النسبي
في ظل استمرار العوامل الاقتصادية الضاغطة، قد تتوقف الأسعار عند مستويات مرتفعة نسبيًا، مع بطء في حركة التأجير، خاصة إذا استمرت معدلات التضخم المرتفعة.
السيناريو الثالث: إعادة هيكلة السوق
مع دخول تعديلات قانون الإيجار القديم حيز التنفيذ، قد يشهد السوق وفرة في الوحدات، ما يخلق منافسة بين الملاك ويدفع الأسعار إلى مستويات أكثر تنافسية.
فرص وتحديات أمام المستأجرين والملاك
للمستأجرين:
عودة السودانيين قد توفر فرصًا للحصول على وحدات بأسعار أقل.
من المتوقع أن يقدم بعض الملاك تسهيلات جديدة مثل الإعفاء من الإيجار لشهر أو خفض مقدمات التعاقد لجذب المستأجرين.
للملاك:
عليهم التكيف مع السوق الجديد، وربما التفكير في تحويل الوحدات إلى شقق مفروشة أو الدخول في نماذج الإيجار اليومي والقصير الأجل.
هل تتراجع أسعار الإيجارات فعلًا؟
تشير المؤشرات الأولية إلى أن أسعار الإيجارات في مصر ستشهد انفراجة نسبية بعد الضغوط التي فرضها الطلب الاستثنائي من السودانيين، لكن سرعة التراجع ومدى استمراره سيعتمدان على عوامل أخرى مثل الإصلاحات التشريعية والتضخم الاقتصادي.
وفي كل الأحوال، يبدو أن السوق العقاري المصري يدخل مرحلة إعادة توازن، قد تحمل فرصًا لكل من المستأجرين الباحثين عن أسعار معقولة والمستثمرين الباحثين عن عوائد إيجارية مستقرة.