أعجوبة معمارية فائقة الروعة.. فاينانشال تايمز تراهن على المتحف المصري الكبير

على تخوم القاهرة المترامية الأطراف، على أطراف الصحراء قرب الأهرامات الشهيرة، يُعلن المتحف المصري الكبير (GEM) عن نفسه كمؤسسة فنية فائقة الروعة.
وفقا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، يضم المتحف تمثالاً ضخماً من الجرانيت الأحمر لرمسيس الثاني – “ملك الملوك” في القرن الثالث عشر قبل الميلاد – يرتفع ثلاثة طوابق في ردهته المضاءة بنور الشمس.
لا يُعد المتحف المصري الكبير أحدث أعجوبة معمارية في مصر فحسب، بل يهدف إلى أن يكون أكبر متحف في العالم مُخصص لحضارة واحدة.

صممت شركة هينيغان بينج للهندسة المعمارية، ومقرها دبلن، بوابات المتحف المثلثة محفورة بكتابات هيروغليفية تعكس ضوء الشمس عند الغروب، بينما تتجنب قاعته الكبرى المفتوحة تكييف الهواء، مما يعكس مزيجاً من الوعي البيئي والتصميم المستقبلي الذي غالباً ما يرتبط بمشاريع “المهندسين المعماريين النجوم” في الخليج.

مشروعٌ قيد الإعداد منذ عقود
تعود جذور المتحف المصري الكبير إلى عام 1992، عندما تبلورت فكرةُ الرئيس حسني مبارك آنذاك.
كان مبارك، الذي أُطيح به خلال الربيع العربي عام 2011، جزءًا من سلسلةٍ طويلةٍ من القادة المصريين الذين سعوا إلى ربط أنفسهم بمجد الآثار الفرعونية.
كما توضح إحدى ملصقات العرض، فإن المتحف نفسه يُعدّ بمثابة مخطوطةٍ للرمزية السياسية: “كان الرابط الرمزي بين الرجلين العسكريين المصريين الأقوياء، القديم والحديث، واضحًا”، كما يُشير الملصق، مُتتبعًا رحلة تمثال رمسيس من ممفيس، مرورًا بثورة جمال عبد الناصر، وصولًا إلى القاهرة في عهد مبارك.
ومع ذلك، وكما تُشير مايا جاجي في تقرير فاينانشال تايمز، فإن المتحف يُمثل أيضًا فرصةً لطرح أسئلة حول هذه الاستغلالات للماضي.
وتُضيف: “هذه المجموعة المُنتقاة بذكاء تحتوي على الأدوات اللازمة لتفكيك التاريخ. ومثل جميع المتاحف الجيدة… فهو يُوفر مادةً للتفكير النقدي بالإضافة إلى التساؤل”.

افتتاحٌ مُؤجَّل: الحرب والمعارضة تلوحان في الأفق
على الرغم من أن معظم مقتنيات المتحف المصري الكبير كانت معروضة منذ أكتوبر الماضي، إلا أن الافتتاح الرسمي لا يزال مؤجلاً بسبب الآثار المزدوجة لجائحة كوفيد-19، ومؤخراً، الحرب في غزة وإيران.
تأجل حفل الافتتاح، الذي كان مقرراً هذا الأسبوع، مجدداً في أعقاب الصراع الإقليمي، مما يؤكد دور المتحف كمركز سياسي وثقافي.
لا يقتصر الأمر على الرمزية. فلا يزال نقل قناع توت عنخ آمون الشهير وكنوز أخرى من المتحف المصري العريق في القاهرة معلقاً، مما يُعيد إلى الأذهان موكب الفراعنة الذهبي لعام 2021 – وهو حدثٌ رفيع المستوى يهدف إلى تعزيز الفخر الوطني.

مجموعة أثرية ضخمة، عرض فني حديث
يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة 500 ألف متر مربع – أي أكبر من المتحف البريطاني في لندن أو متحف متروبوليتان في نيويورك – ويضم نحو 100 ألف قطعة أثرية، ثلثها تقريبًا من متحف ميدان التحرير.
يتميز المشروع، الذي تبلغ تكلفته 1.4 مليار دولار، والممول جزئيًا بقروض يابانية ميسرة بقيمة 750 مليون دولار، بتكنولوجيا متطورة، ومركز للترميم يضم 19 مختبرًا ونحو 90 أمينًا، ومساحات تجارية تهدف إلى التنمية الاقتصادية المحلية.
يؤكد أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي للمتحف، أن المتحف المصري الكبير يُرسل “إشارة سياسية مفادها أن مصر قادرة ليس فقط على الحفاظ على آثارها، بل والأهم من ذلك، على عرضها على أحدث طراز”.
ومع ذلك، لا تزال إمكانية المطالبة باستعادة الآثار في الخلفية – وهو نقاش يتجنبه غنيم بحذر، مُصرًا على أن “العرض مكتمل”.
إعادة تفسير السلطة: الملكية والمجتمع والمعتقد
يُمثل الدرج الكبير الدرامي معرضًا عموديًا، يُعرّف الزوار على “سلطة الملوك المصريين” من خلال الفن والأيقونات. من الرسوم الضخمة لرمسيس الثاني وسنوسرت الثالث، إلى واقعية إخناتون، والصورة الذكورية للملكة حتشبسوت، يُمثل المعرض احتفاءً ونقدًا لكيفية تلاعب الحكام بالرموز الإلهية والدنيوية.
تُرشد اثنا عشر معرضًا رئيسيًا الزوار زمنيًا وموضوعيًا، تغطي 700 ألف عام من التاريخ، وتستكشف المجتمع والملكية والمعتقدات. تدور الرواية الرئيسية.
كما يُشير وزير سابق، حول “كيف أنشأت 30 أسرة على مدى بضعة آلاف من السنين واحدة من أقدم الدول في التاريخ” – إلا أن النهج التنظيمي يدعو إلى قراءات متعددة، من التجارة والهجرة إلى الاندماج الثقافي، مثل التأثيرات النوبية واليونانية على الفن المصري.

توت عنخ آمون وثورة الترميم
من أبرز معالم المتحف المجموعة الكاملة من مقبرة توت عنخ آمون، حيث أُعيد جمع أكثر من 5600 قطعة أثرية لأول مرة منذ اكتشافها عام 1922.
قام مركز الترميم في المتحف، بقيادة حسين محمد كمال، بترميم العديد من القطع التي لم تُعرض من قبل، بما في ذلك العربات والدروع الاحتفالية.
ويجري حاليًا إعادة تجميع مركبين شمسيين قديمين، كان من المقرر أن ينقلا الفراعنة إلى العالم الآخر، أمام أعين الجمهور، في رمز لتواصل مصر المستمر مع تراثها.
ومع ذلك، لا تزال بعض الكنوز، مثل المراكب الشمسية ومعرضي توت عنخ آمون، غير متاحة حتى الافتتاح الرسمي، مما يدل على سيطرة المتحف المشددة.

التراث والسلطة وسياسات العرض
يلاحظ الفنان اللبناني علي شري، الذي أبدع أعمالاً فنية لمتحف إيجيزيو الأوروبي: محاولة إعادة بناء نظام باستخدام التاريخ القديم، والمتحف المصري الكبير وموكب الفراعنة – فهذه كلها وفقا لتعبيره أدوات للسلطة. المتاحف أدوات للسلطة في كل مكان، ولكن [في مصر وسوريا] يتضح جلياً كيف أنها ركائز أساسية في صنع السلطة”.

تُشيد لوحات النصر برمسيس الثاني لبثه الخوف، بينما تُشيد أخرى برمسيس الرابع “لإعادة ماعت (الحقيقة والعدالة) إلى الأرض”. يثير عمق المعرض وتنسيقه الإعجاب والتأمل – حول ما يُعرّف الحضارة العظيمة ومن يدعي إرثها.
أقرا أيضا.. الحرس الثوري الإسلامي.. القوة التي تُرسّخ النظام الإيراني وتقف خلف عرش خامنئي