أكبر دولة استقبالًا للاستثمارات الأجنبية في كل قارة خلال عام 2024

في تقريره السنوي الصادر لعام 2025، كشف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عن الدول الأكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) خلال عام 2024 في كل قارة، مسلطًا الضوء على تحولات ملحوظة في الخريطة الاستثمارية العالمية، وسط تحديات اقتصادية وجيوسياسية معقدة.

مصر تحافظ على عرش إفريقيا في جذب الاستثمارات الأجنبية

حافظت مصر على موقعها كأكبر متلقٍ للاستثمارات الأجنبية المباشرة في القارة الإفريقية لعام 2024، بإجمالي تدفقات بلغ 47 مليار دولار، وفقًا لتقرير الأونكتاد السنوي.

ويُمثل هذا الرقم نحو 49% من إجمالي الاستثمارات الوافدة إلى إفريقيا، مما يعكس ثقة المستثمرين العالميين في الاقتصاد المصري، واستمرار الزخم الذي بدأ منذ عدة سنوات.

وجاءت هذه التدفقات مدفوعة بعدة صفقات كبرى، أبرزها صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة باستثمارات بلغت 35 مليار دولار، إلى جانب توسع مشاريع الدولة في مجالات البنية التحتية والطاقة الخضراء والصناعة التحويلية، ضمن خطة مصر للتحول إلى مركز إقليمي للإنتاج والتصدير

لوكسمبورغ تتفوّق على أوروبا.. رغم حجمها الصغير

في أوروبا، جاءت لوكسمبورغ في الصدارة كأكبر مستقبل للاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2024، متفوقة على اقتصادات كبرى مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وذلك رغم كونها واحدة من أصغر الدول الأوروبية من حيث المساحة وعدد السكان.

ويعود هذا التفوق إلى مجموعة من العوامل البنيوية التي جعلت من لوكسمبورغ ملاذًا استثماريًا عالميًا، أبرزها:

نظامها المالي المتطور للغاية، حيث تحتضن الدولة أحد أكبر القطاعات المصرفية في أوروبا، وأكثرها انفتاحًا أمام رؤوس الأموال الدولية.

سياساتها الضريبية الجاذبة، التي تمنح مزايا كبيرة للشركات متعددة الجنسيات وصناديق الاستثمار، ما جعلها مقرًا لآلاف الكيانات المالية العالمية.

بنية قانونية وتشريعية مرنة، تسهّل تسجيل الشركات وإدارة الأعمال، مع شفافية عالية وإطار تنظيمي مستقر.

موقعها الجغرافي المركزي في قلب أوروبا، ما يمنحها ميزة لوجستية في إدارة العمليات العابرة للحدود داخل الاتحاد الأوروبي.

كما استفادت لوكسمبورغ من استمرار التحولات في سلاسل الإمداد العالمية بعد جائحة كورونا، واتجاه بعض الشركات لتحويل مقارها أو مراكزها المالية إلى مناطق أكثر استقرارًا.

هذا الأداء القوي يؤكد أن حجم الدولة لا يُقاس جغرافيًا فقط، بل أيضًا بقدرتها على خلق بيئة تنافسية ومفتوحة أمام الاستثمار العالمي.

سنغافورة تحتفظ بصدارة آسيا في جذب الاستثمارات

في آسيا، حافظت سنغافورة على موقعها المتقدم كأكبر مستقبل للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال عام 2024، لتؤكد مكانتها كأحد أكثر الاقتصادات انفتاحًا وجاذبية في العالم، متقدمة على قوى إقليمية كبرى مثل الصين والهند واليابان.

ويعزى هذا الأداء القوي إلى عدة عوامل استراتيجية:

الاستقرار السياسي والمؤسسي الذي تتمتع به البلاد، ما يمنح المستثمرين ثقة طويلة الأمد في بيئة الأعمال.

بيئة تشريعية وتنظيمية مرنة وشفافة، توفر حماية عالية لحقوق المستثمرين، إلى جانب كفاءة عالية في إدارة العقود والنزاعات.

بنية تحتية رقمية متقدمة، تجعل من سنغافورة مركزًا عالميًا في مجالات الاقتصاد الرقمي، والابتكار التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي.

دورها الريادي كمركز لوجستي ومالي إقليمي، حيث تُعد بوابة عبور رئيسية لحركة التجارة والاستثمار في جنوب شرق آسيا، وتضم مقرّات إقليمية لمئات الشركات متعددة الجنسيات.

ورغم محدودية مساحتها الجغرافية، نجحت سنغافورة في بناء نموذج اقتصادي يُركّز على القيمة المضافة والاستدامة والاقتصاد المعرفي، ما يجعلها وجهة مفضلة للمستثمرين الباحثين عن استقرار وربحية عالية في قلب آسيا.

الولايات المتحدة تهيمن على أمريكا الشمالية بثقة المستثمرين

كما هو متوقّع، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة دول أمريكا الشمالية من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال عام 2024، محافظة على مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم والوجهة الأكثر أمانًا واستقرارًا لرؤوس الأموال العالمية.

وتعكس هذه الصدارة المستمرة جاذبية النموذج الاقتصادي الأمريكي، الذي يجمع بين الابتكار التقني، والاستقرار المؤسسي، والقدرة على امتصاص الصدمات. وقد تركزت معظم التدفقات الاستثمارية في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، أبرزها:

التكنولوجيا المتقدمة، بما يشمله ذلك من الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، وتطوير الرقائق الإلكترونية، حيث ما تزال وادي السيليكون مركزًا عالميًا للابتكار.

الطاقة، خصوصًا مع استمرار النمو في إنتاج الغاز الطبيعي والنفط الصخري، إلى جانب التوسع في الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف.

البنية التحتية الذكية، في ظل حزمة الاستثمارات الضخمة التي أطلقتها الإدارة الأمريكية لإعادة تأهيل شبكات الطرق، والموانئ، والنقل العام.

كما تلعب عوامل أخرى دورًا محوريًا في جذب الاستثمارات، مثل سيادة القانون، وعمق الأسواق المالية، والطلب الاستهلاكي القوي المدعوم بسوق داخلية تتجاوز 330 مليون نسمة.

البرازيل تتصدر أمريكا الجنوبية في جذب الاستثمارات الأجنبية

في أمريكا الجنوبية، احتفظت البرازيل بموقعها المتقدم كأكبر مستقبل للاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2024، مدفوعة بتدفقات كبيرة إلى قطاعات استراتيجية مثل الزراعة، والطاقة المتجددة، والصناعات الثقيلة، وهو ما يعزز مكانتها كأكبر اقتصاد في القارة، وأحد أبرز الأسواق الناشئة على مستوى العالم.

وقد استفادت البرازيل من عدة عوامل هيكلية ومؤسسية جعلتها بيئة جاذبة للمستثمرين:

وفرة الموارد الطبيعية، خاصة الأراضي الزراعية والمياه العذبة، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في الأمن الغذائي العالمي.

التحول النشط نحو مصادر الطاقة المتجددة، حيث تُعد من أكبر الدول المنتجة للطاقة الكهرومائية، وتوسّعها مؤخرًا في مشاريع الرياح والطاقة الشمسية جذب استثمارات خضراء ضخمة.

قاعدة صناعية متقدمة نسبيًا تشمل قطاعات السيارات، التعدين، والبتروكيماويات.

سوق محلية ضخمة يتجاوز عدد سكانها 200 مليون نسمة، ما يوفّر فرصًا واعدة للتوسع والنمو في الاستهلاك المحلي.

كما ساهمت إصلاحات اقتصادية وهيكلية أطلقتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة في تحسين مناخ الأعمال، وتسهيل الإجراءات المتعلقة بالاستثمار والتجارة، رغم استمرار بعض التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والبيروقراطية.

تغير في موازين الجاذبية العالمية

تعكس نتائج تقرير الأونكتاد لعام 2025 تحوّلًا مهمًا في موازين الجاذبية الاستثمارية، حيث واصلت الأسواق الناشئة مثل مصر والبرازيل تعزيز حضورها كوجهات مفضلة للاستثمار الأجنبي، في مقابل تراجع أو استقرار نسبي في أداء العديد من الاقتصادات المتقدمة.

ويأتي تقدم مصر تحديدًا امتدادًا لمسار تصاعدي بدأ منذ عدة سنوات، يؤكد قدرتها على جذب رؤوس الأموال العالمية بفضل برنامج إصلاح اقتصادي واسع، وتوسّع كبير في مشروعات البنية التحتية والصناعة والطاقة.

اقرأ أيضا: مصر تضاعف إنتاجها من طاقة الرياح 6 مرات بحلول 2030

زر الذهاب إلى الأعلى