أمريكا تهمش أوروبا وتتجه نحو الخليج لدفع المحادثات النووية مع إيران

تفوّقت دول الخليج بقيادة السعودية والإمارات على أوروبا كوسيط رئيسي في المحادثات النووية مع إيران والجهود الأمريكية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.
بحسب تحليل فاينانشال تايمز، يعكس هذا التحول الجذري، بعد أكثر من عقد من تهميش الخليج خلال المحادثات النووية مع إيران في عهد أوباما، الديناميكيات الإقليمية المتغيرة ونهج إدارة ترامب “أمريكا أولاً”، الذي همّش الحلفاء الأوروبيين التقليديين لصالح المشاركة الإقليمية المباشرة.
على عكس خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 – التي وُضعت بالشراكة مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين – يُعطي الرئيس دونالد ترامب الآن الأولوية للتفاهم الثنائي مع طهران. يسعى ترامب إلى اتفاق سريع وفعال، وقد أشار إلى أن العمل العسكري مطروح في حال فشل الدبلوماسية.
لكن هذا الفصل الجديد لا يقتصر على الاستراتيجية الأمريكية فحسب. ففي ظل انفراج ملحوظ، تعمل القوى العربية السنية، التي كانت تعتبر إيران ذات الأغلبية الشيعية تهديدًا وجوديًا، على تهدئة التوترات.
فالرياض وأبو ظبي، اللتان دعمتا صراحةً انسحاب ترامب عام 2018 من خطة العمل الشاملة المشتركة وحملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، أصبحتا الآن مناصرين علنيين لتسوية تفاوضية، تهدف إلى درء خطر اندلاع حرب إقليمية كارثية أخرى.
نفوذ الخليج مُغير لقواعد اللعبة في واشنطن
وفقًا لعلي فايز، كبير محللي الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، فإن هذا الانخراط الخليجي الجديد يُمثل “مُغيرًا لقواعد اللعبة”، نظرًا للنفوذ الكبير الذي تتمتع به هذه الدول الآن في واشنطن.
يوضح فايز: “في ولايته الأولى، كان نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ينصحان ترامب بعدم إبرام صفقة مع إيران. أما الآن، فتحثه السعودية على إبرام صفقة – ومحمد بن سلمان أكثر نفوذاً من نتنياهو، لذا فالأمر بالغ الأهمية”.
هذا التغيير الجذري يُشكل بالفعل معالم المحادثات النووية مع إيران. فبينما يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الضغط من أجل العمل العسكري، أصبح قادة الخليج أصواتاً ناقدة تدعو إلى ضبط النفس، محذرين من أن أي صراع مع إيران قد يُطلق العنان لرد فعل انتقامي مدمر في جميع أنحاء المنطقة الغنية بالنفط.
أكد مسؤول سعودي كبير هذه النقطة قائلاً: “لا نريد سوء تفاهم يُشعل حرباً بين إيران والولايات المتحدة”. وأكد المسؤول أن الرياض أوضحت لطهران أنها تسعى إلى الحوار، لا المواجهة، وتحث على التوصل إلى اتفاق مع واشنطن.
عُمان وقطر: وسطاء دبلوماسيون صامتون
أُشرفت عُمان – الوسيط المخضرم بين طهران والغرب – وقطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وتحافظ على قنوات اتصال مفتوحة مع إيران، على أحدث الجهود الدبلوماسية بهدوء. في الأسابيع الأخيرة، لعب البلدان أدوارًا محورية، حيث استضافت عُمان محادثات غير مباشرة، بينما لعبت قطر دور قناة حيوية لنقل الرسائل واستضافت اجتماعات رئيسية.
من الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أجرى محادثات مع كل من القيادتين القطرية والإماراتية قبيل جولة ترامب الخليجية الأخيرة، بينما زار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الدوحة بعد وقت قصير من مغادرة ترامب، مما يشير إلى تنسيق وثيق.
كما عززت المملكة العربية السعودية جهودها، حيث أرسلت وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان – شقيق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – للقاء المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في طهران. وقد أشار هذا الاجتماع، وهو أعلى زيارة سعودية لإيران منذ عقود، إلى نية الرياض دعم وإضفاء الشرعية على اتفاق أمريكي-إيراني جديد.
حل إقليمي ودور للخليج
بالنسبة لإيران، يُعدّ إشراك دول الخليج في المفاوضات درعًا دبلوماسيًا وفرصة اقتصادية في آنٍ واحد. تشير سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، إلى أن طهران ترى في مشاركة الخليج وسيلةً “لضمان عدم إفسادها، ولأنها ستكون الضامنة الاقتصادية لهذه الصفقة، إن لم تكن السياسية”.
من بين المقترحات الإبداعية المطروحة تشكيل تحالف إقليمي – يضم الولايات المتحدة ودول الخليج – لتطوير مرافق تخصيب اليورانيوم منخفض المستوى بشكل مشترك. قد يوفر هذا حلاً وسطًا بين إصرار إيران على حقها في التخصيب ومطالب الولايات المتحدة بفرض قيود على برنامج طهران.
تُشغّل الإمارات العربية المتحدة بالفعل محطة نووية بدون تخصيب، بينما تطمح المملكة العربية السعودية إلى تخصيب اليورانيوم محليًا.
اقرأ أيضا.. أمريكا وإسرائيل تتبعان النهج القديم.. ترامب يكبح نتنياهو إقليميا ويطلق يده ضد الفلسطينيين
تهميش أوروبا مع تولي القوى الإقليمية زمام المبادرة
في غضون ذلك، وجدت القوى الأوروبية التقليدية – التي كانت محورية في خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية – نفسها مُهمّشة. في حين يواصل الدبلوماسيون الأوروبيون إجراء محادثات على مستوى أدنى مع طهران، فإنهم يعترفون بأن نفوذهم في المناقشات بين الولايات المتحدة وإيران قد تراجع بشكل حاد.
تفاقمت هذه الديناميكية بفعل سنوات من التوترات المتزايدة: تُلقي طهران باللوم على أوروبا لفشلها في تحقيق الفوائد الاقتصادية التي وعد بها الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي، بينما يتزايد قلق الأوروبيين من التقدم النووي الإيراني، وقد هددوا بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.
حذّر دبلوماسي غربي في طهران من أن الأوروبيين قد يصبحون “كبش فداء” إذا فشلت المحادثات، تحت ضغط الولايات المتحدة لتفعيل ما يسمى بآلية “سناب باك” وإعادة فرض العقوبات – وهو سيناريو وُصف بأنه “أسوأ نتيجة ممكنة” لأوروبا.