اكتفت بإدانة هجمات إسرائيل.. هل خذلت تركيا الشرع في أزمة دروز السويداء؟

في خضم تصاعد المواجهة جنوب سوريا، وتحديدًا في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، يتزايد الجدل حول موقف تركيا من الأحداث، وسط اتهامات بأن أنقرة تخلّت عن حليفها المفترض، الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في مواجهة ضغوط إسرائيلية وتحركات ميدانية غير مسبوقة تهدد وحدة سوريا الجديدة واستقرارها الأمني.
ورغم إشادة الرئيس الشرع بجهود الوساطة التي قادتها تركيا لتقليل التصعيد الإسرائيلي الأخير، إلا أن الخطاب السوري الرسمي لم يخلُ من انتقادات ضمنية للموقف التركي، والذي لا يزال – بحسب مراقبين – محصورًا في نطاق التصريحات الدبلوماسية دون أي التزام عملي.
وبينما اعتبر الشرع وساطة تركيا خطوة إيجابية، فإنه أبدى خيبة أمل واضحة من اكتفاء أنقرة بالتنديد، في وقت توغلت فيه إسرائيل عسكريًا وميدانيًا في الجنوب السوري، وقدمت دعمًا واضحًا ومباشرًا للفصائل الدرزية المناهضة للحكومة الانتقالية.
تركيا والوساطة الدبلوماسية في سوريا
من نيويورك، صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن بلاده “نقلت وجهات نظرها” إلى الجانب الإسرائيلي عبر جهاز المخابرات، مشيرًا إلى أن تركيا لا ترغب في زعزعة استقرار سوريا.
هذه التصريحات، التي حملت طابع التهدئة، لم تتضمن أي إشارة إلى دعم عسكري لحكومة الشرع أو نية لاتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه الاعتداءات الإسرائيلية. وهو ما أثار تساؤلات حول جدوى الوساطة التركية إذا لم تكن مدعومة بإجراءات ملموسة تحمي حليفها السوري من تصعيد ميداني متواصل.
إسرائيل تضرب سوريا وتركيا تراقب
في المقابل، اتخذت إسرائيل مسارًا أكثر فاعلية. فوفقًا لتقارير حقوقية وعسكرية، دعمت تل أبيب فصائل درزية مسلحة بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية، وشنت عدة غارات جوية على مواقع عسكرية تابعة للحكومة السورية في السويداء ومحيط العاصمة دمشق.
وقد تزامنت هذه الضربات مع اندلاع اقتتال داخلي في السويداء، ما دفع الجيش السوري للتدخل لضبط الأمن، الأمر الذي استدعى ردًا إسرائيليًا وصفه مراقبون بـ”الردع الوقائي” لحماية حلفاء تل أبيب الجدد في الداخل السوري.
رسالة الشرع إلي تركيا
الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، عبّر في خطابه فجر الخميس عن موقف صارم تجاه ما يجري، مؤكدًا أن سوريا “لن تكون ساحة للتقسيم الطائفي أو للتفتيت الخارجي”.
وأضاف أن الحكومة وجدت نفسها أمام خيارين أحلاهما مر إما مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو تفويض الزعامات الدرزية المحلية لحفظ الأمن في السويداء لتفادي الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة.
وفق مراقبون فإن حديث الشرع بدا موجّهًا إلى أنقرة بقدر ما كان موجهًا للداخل السوري، في رسالة مفادها أن “الانتظار لم يعد خيارًا”.
البرلمان التركي يُدين
في الداخل التركي، لم تظهر بوادر على استعداد الحكومة أو البرلمان لاتخاذ موقف عملي. فمذكرة الإدانة التي أقرّها البرلمان التركي، الأربعاء، والتي وصفت الغارات الإسرائيلية على سوريا بأنها “عدوان دنيء” وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، لم تتجاوز حدود اللغة الإنشائية.
الدروز في قلب المعركة… وتحالفات تهتز
وفق تقارير فالمعركة في السويداء لم تعد مجرد صراع داخلي. فالدروز، الذين تم تفويض زعاماتهم لحفظ الأمن بعد انسحاب الجيش السوري، باتوا في قلب معركة إقليمية معقدة. إسرائيل تدعمهم سياسيًا وعسكريًا، وتركيا تتجنب التدخل، والولايات المتحدة تراقب بحذر.
هذا الواقع الجديد دفع مراقبين إلى اعتبار قرار حكومة الشرع بتفويض الزعامات المحلية ليس مجرد إجراء أمني، بل رسالة موجهة إلى الحلفاء، وتحديدًا تركيا، مفادها أن “الدعم الرمزي لا يكفي”.
خيارات حكومة الشرع
مع استمرار الغارات الإسرائيلية وتراجع الحضور التركي، تجد الحكومة الانتقالية نفسها أمام مأزق استراتيجي حقيقي. إذ تتضاءل فرص الدعم الإقليمي الفعلي، ويُفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا، أبرزها إعادة النظر في خارطة التحالفات الإقليمية.
وبحسب تقارير صحفية كشفت المصادر القريبة من دوائر القرار في دمشق أنه ليس من المستبعد أن تتوجه الحكومة نحو أطراف إقليمية جديدة، قد تكون أكثر جرأة من أنقرة، وأقل ترددًا في تقديم الدعم العسكري الفعلي.
هل تغيّر أنقرة موقفها قبل فوات الأوان؟
ويري محللون أنه مع كل ضربة إسرائيلية، وكل صمت تركي، تزداد الهوة بين أنقرة وحكومة الشرع، وتتقلص مساحة الثقة بين الحليفين المفترضين. وفي وقت يراهن البعض على أن تغير تركيا موقفها تحت ضغط التطورات.
ويرى آخرون أن المعادلة الراهنة تُشير إلى إعادة تشكيل جذرية في خريطة النفوذ الإقليمي داخل سوريا، يكون فيها الدور التركي أقل حضورًا وتأثيرًا مما كان متوقعًا.
اقرأ أيضا
مسلمون ولكن | الدروز.. حكاية عقيدة غامضة وديانة بلا شعائر.. ما علاقتهم بـ مصر؟