الاضطرابات الطائفية في سوريا.. الأقليات في مرمى نيران المرحلة الانتقالية

في أعقاب الإطاحة ببشار الأسد تواجِه الحكومة الانتقالية مهمة شاقة؛ حيث زادت الاضطرابات الطائفية في سوريا؛ مما يدفع الحكومة إلى محاولة توحيد بلد عانى من سنوات من الصراع الأهلي الوحشي.

تعهَّدت الحكومة الجديدة التي تقودها الأغلبية العربية السنية إلى حد كبير، بإحلال السلام والاستقرار، إلا أن العنف الطائفي المستمر يُهدِّد بتفكيك النسيج الهش للمجتمع السوري.

إعلان

ووفقًا لتحليل نيويورك تايمز، يكمُن أحد أهم التحديات في معالجة مخاوف الأقليات العديدة في سوريا – وتحديدًا الدروز والعلويين والأكراد – الذين لا يزالون قلقين من قدرة الحكومة على حمايتهم من الفصائل المتطرفة. وقد تصاعدت هذه التوترات مؤخرًا، مع اندلاع اشتباكات عنيفة في العاصمة وامتدت إلى الريف.

الدروز.. تاريخ من العزلة والدفاع

لطالما كان الدروز، وهم فرع من الإسلام بجذور تعود إلى قرون مضت، أقلية مهمة في سوريا. يتعزز نفوذهم بشكل خاص في محافظة السويداء الجنوبية الغربية، التي تقطنها أغلبية من الدروز السوريين، وتُعدّ منطقة استراتيجية قريبة من الأردن وإسرائيل.

استهدفت جماعات سنية متطرفة مؤخرًا أحياءً يسكنها الدروز، وخاصةً حول دمشق. وتأتي موجة العنف هذه في أعقاب مقطع صوتي مثير للجدل زُعم أنه يظهر فيه رجل دين درزي يُسيء إلى النبي محمد – رغم أن رجل الدين نفى هذا الاتهام.

مع تصاعد الهجمات، شنّت إسرائيل، التي تربطها علاقات وثيقة بالدروز، غارات جوية بهدف حمايتهم من المزيد من الأذى. وبينما دعا الدروز في إسرائيل إلى تدخل إسرائيل، رفض العديد من قادتهم السوريين التدخل الأجنبي، مع أنهم أبدوا استعدادهم للتفاوض مع الحكومة الجديدة لضمان سلامتهم.

تُبرز هذه التطورات الأبعاد الجيوسياسية المعقدة للصراع الداخلي في سوريا، حيث يقع الدروز على تقاطع المصالح المحلية والدولية.

اقرأ أيضًا: القوات الخاصة المصرية والتركية تنفذان تدريبات مشتركة في أنقرة- شاهد

الأقلية العلوية.. عالقة بين الولاءات القديمة والعداءات الجديدة

واجه العلويون، الذين يشكلون حوالي 10% من سكان سوريا، والذين يرتبطون تاريخيًا بنظام الأسد، اضطهادًا واسع النطاق عقب سقوط حكومة الأسد.

بعد عقود من توليهم مناصب قيادية في الجيش وقوات الأمن في ظل حكم الأسد، يجد العلويون أنفسهم الآن عرضة لانتقام الفصائل السنية المتطرفة وغيرها من الجماعات المتمردة. شهدت المنطقة الساحلية، موطن معظم العلويين في سوريا، موجات عنف دامية، لا سيما في مارس 2025، عندما استهدفت الجماعات المسلحة المدنيين العلويين.

يعكس هذا العداء المستمر الانقسامات العميقة داخل المجتمع السوري، حيث يجد المقاتلون العلويون، الذين خدم العديد منهم سابقًا في نظام الأسد، أنفسهم الآن عالقين بين الحكومة التي خدموا فيها سابقًا والمتطرفين الذين يسعون إلى القضاء عليهم.

لم تتمكن الحكومة من قمع هذه الفصائل العنيفة تمامًا، والاضطرابات في المناطق الساحلية تُذكرنا بشدة بالتوازن الهش الذي يجب أن تحافظ عليه.

الأكراد.. النضال من أجل الحكم الذاتي في ظلّ مشهدٍ متغيّر

لطالما سعى الأكراد، الذين يُمثّلون حوالي 10% من سكان سوريا، إلى مزيدٍ من الحكم الذاتي داخل سوريا. وكان للأكراد دورٌ فعّال في تأسيس منطقة حكم ذاتي في شمال شرق سوريا، بدعمٍ من الولايات المتحدة.

مع ذلك، وبعد سقوط الأسد، لا يزال الأكراد يُساورون الحكومة الجديدة بشكوكٍ عميقة، لا سيما بسبب علاقاتها التاريخية مع فصائل تنظيم القاعدة، وتحالفها مع تركيا، الدولة المُعادية للتطلعات الكردية.

في مارس 2025، وافقت قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، بقيادة قادةٍ أكراد، على دمج قواتها تحت سيطرة الحكومة الجديدة. وبينما مثّل هذا الاتفاق خطوةً نحو الوحدة الوطنية، لا يزال المجتمع الكردي حذرًا. ومع استمرار تركيا في استهداف القوات الكردية في سوريا، فإن ثقة الأكراد بالحكومة وقدرتها على حمايتهم ضعيفةٌ في أحسن الأحوال.

المسيحيون والأقليات الأخرى.. تضاؤل ​​الوجود

شهدت أعداد المسيحيين في سوريا، الذين كانوا يشكلون في السابق مجتمعًا نابضًا بالحياة، حوالي 10% من سكان البلاد، انخفاضًا حادًا بسبب الصراع الدائر.

انضم العديد من المسيحيين، وخاصةً سكان مدن مثل معلولا، إلى نظام الأسد، خوفًا من الاضطهاد في ظل حكم يهيمن عليه السنة. ومع استمرار العنف في المنطقة، تجد المجتمعات المسيحية نفسها أكثر عزلة، وتتناقص أعدادها مع لجوء الكثيرين إلى الخارج.

دور إسرائيل في خضم الصراع الطائفي

لعبت إسرائيل دورًا مع الدروز خلال العنف الطائفي، حتى أنها شنت غارات جوية على أهداف سورية دفاعًا عنهم. وقد أثار تدخل إسرائيل مخاوف بشأن تزايد التدخل الأجنبي في الصراع الداخلي السوري.

أدت جولة العنف الأخيرة، وخاصة الهجمات على المناطق التي يسكنها الدروز، إلى احتجاجات داخل إسرائيل، حيث طالب الدروز في إسرائيل باتخاذ إجراءات أقوى لحماية أقاربهم في سوريا.

ورغم هذه الضغوط الخارجية، تكافح الحكومة السورية للحفاظ على سيطرتها على مختلف الجماعات المسلحة، سواء الموالية لها أو المعارضة لها. ويشكل غياب التماسك داخل الفصائل المتمردة، وكثير منها متطرفة، تحديًا لجهود الحكومة الرامية إلى دمج جميع الجماعات في جيش وطني موحد.

الطريق إلى الأمام.. غامض وهش

كشف التصاعد الأخير في العنف الطائفي في سوريا عن التصدعات التي لا تزال قائمة في انتقال البلاد إلى مرحلة ما بعد الأسد.

في حين وعدت الحكومة بتحقيق الوحدة، إلا أن الانقسامات العميقة الجذور بين الطوائف الدينية والعرقية في سوريا تشير إلى أن هذا الهدف قد يظل بعيد المنال في المستقبل المنظور.

مع صراع كل من الدروز والعلويين والأكراد وغيرهم من الأقليات على استراتيجيات البقاء الخاصة به، يجب على الحكومة الجديدة العمل بلا كلل لطمأنة هذه الطوائف بإمكانية تعايشها في سوريا موحدة.

كما يجب على المجتمع الدولي أن يراقب الوضع عن كثب، إذ يُخشى من امتداد التوترات الطائفية في سوريا إلى المناطق المجاورة، في ظل تورط قوى خارجية مثل إسرائيل وتركيا بالفعل.

لا يتوقف مستقبل سوريا على قدرة الحكومة على ترسيخ سلطتها فحسب، بل أيضًا على قدرتها على التعامل مع شبكة الطائفية المعقدة التي لا تزال تُحدد السلام الهش في البلاد.

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى