السلام بين تركيا والعمال الكردستاني يصل البرلمان.. هل يتم إطلاق سراح أوجلان؟

تدخل عملية السلام بين الحكومة في تركيا وحزب العمال الكردستاني مرحلة جديدة داخل أروقة البرلمان، وسط ترقب كردي واسع لمصير عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي للحزب، والمعتقل منذ أكثر من ربع قرن.
وأطلق البرلمان التركي مشاورات مكثفة لتشكيل لجنة برلمانية تهدف لوضع الأساس القانوني لما تسميه الحكومة «عملية الحل الديمقراطي» أو «تركيا خالية من الإرهـ.ـاب».
وتأتي هذه الخطوة عقب الإعلان المفاجئ من حزب العمال الكردستاني عن حلّ نفسه وإلقاء السلاح، في استجابة مباشرة لنداء عبد الله أوجلان من محبسه بجزيرة إيمرالي.
رئيس البرلمان نعمان كورتولموش ترأس سلسلة اجتماعات مع نواب رؤساء الكتل النيابية، من بينهم ممثلون عن «العدالة والتنمية»، و«الشعب الجمهوري»، و«الحركة القومية»، و«الديمقراطية والمساواة للشعوب»، و«الجيد»، وتحالف «الطريق الجيد»، بهدف التوافق على تشكيل اللجنة.
وقال كورتولموش إن البرلمان يتحمل “مسؤولية تاريخية” في إنهاء الصراع الدموي، داعياً إلى توحيد الموقف السياسي.
معارضة في تركيا للسلام مع العمال الكردستاني
لكن العملية لم تمر دون عقبات؛ فقد أعلن حزب «الجيد»، الذي يُعد من التيارات القومية التركية، رفضه المشاركة في اللجنة، واعتبر المبادرة بمثابة «مشروع خيانة» عبر التعامل مع تنظيم تصنفه أنقرة وواشنطن “منظمة إرهـ.ـابية”. وأكد النائب بوغرا كاونجو أن الحزب لن يرشح أي عضو للجنة ولن يشارك في أعمالها.
هذا الرفض يعكس التباين العميق داخل الطيف السياسي التركي، ويهدد بتأخير تشكيل اللجنة أو عرقلة قراراتها في المستقبل، خاصة مع استمرار العمليات العسكرية التركية ضد بعض فصائل الحزب في شمال العراق.
أوجلان يقود مبادرة السلام من محبسه
التحول الأبرز في المسار السياسي جاء عبر نداء مباشر من عبد الله أوجلان، السجين في إيمرالي منذ عام 1999، الذي دعا أتباعه في فبراير الماضي إلى إنهاء الكفاح المسلح، والانخراط في العمل السياسي السلمي.
وتجاوب الحزب مع هذه الدعوة بحلّ نفسه رسميًا في مايو، ثم بإعلان مجموعة من 30 مقاتلاً إلقاء سلاحهم في مراسم رمزية بالسليمانية العراقية في يوليو.
هذه الخطوات ترافقت مع بث أوجلان رسالة مصوّرة بتاريخ 9 يوليو، أعلن فيها “نهاية الكفاح المسلح”، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة يجب أن تُبنى على الديمقراطية السياسية والاعتراف بالحقوق الكردية داخل الدولة التركية.
إطلاق سراح أوجلان
مع هذه التطورات، تصدّر مطلب إطلاق سراح عبد الله أوجلان واجهة النقاش السياسي. فقد أعلن متحدثو «مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي» أن أي تقدم في عملية نزع السلاح يعتمد بالدرجة الأولى على حرية أوجلان.
وقال نديم سيفين، أحد قادة المجموعة: «لن يكون هناك سلام حقيقي من دون حرية القائد آبو. هذه الخطوة ليست رمزية، بل جوهرية. نحن قدمنا مبادرة حقيقية، وعلى الدولة أن ترد بخطوات ملموسة».
وأضاف أن فشل الدولة في التفاعل مع مطالب المجموعة قد يُجهض العملية برمّتها، مؤكداً أن الـ30 مقاتلاً الذين ألقوا السلاح سيكونون آخر من يفعل ذلك إذا لم تتحقق الشروط.
اعتقالات تقلق الداخل
في المقابل، تواجه الحكومة انتقادات متزايدة بسبب ما تصفه المعارضة بـ«ازدواجية المعايير». ففي الوقت الذي تُبدي فيه الدولة انفتاحًا على التسوية مع «الكردستاني»، تواصل السلطات حملة اعتقالات طالت رموزًا من حزب الشعب الجمهوري، أبرزها قضية رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي اعتُقل في مارس الماضي على خلفية اتهامات بالفساد، تراها المعارضة ذات طابع سياسي.
واعتُقل مؤخرًا 14 موظفًا في البلدية، في إطار تحقيقات جديدة تثير قلق المعارضة حول نوايا الحكومة في ما يتعلق بالحريات والديمقراطية، وهو ما يتناقض، حسب مراقبين، مع روح المصالحة المطلوبة لإنجاح عملية السلام مع الكرد.
مستقبل السلام بين تركيا والكردستاني
رغم الجدل، فإن المشاورات البرلمانية مستمرة، ومن المتوقع أن تُشكَّل اللجنة خلال الأسابيع المقبلة بعد استلام الترشيحات الرسمية من الكتل النيابية.
ومع ذلك، يبقى مصير أوجلان والمسار السياسي الكردي في قلب التساؤلات هل تقدم الدولة على إطلاق سراحه ضمن صفقة متكاملة؟ أم تبقى ورقة أوجلان رهينة المساومات السياسية والأمنية؟
في ظل انسداد الحلول العسكرية خلال العقود الماضية، تبدو تركيا أمام فرصة نادرة لإنهاء واحدة من أعقد قضاياها الداخلية. لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واستعدادًا لتقديم تنازلات متبادلة تُعيد بناء الثقة، وتُخرج البلاد من دوامة العنف.
اقرأ أيضا
السويداء تشتعل من جديد.. هل تفجّر فتنة الدروز والبدو حربًا أهلية في سوريا؟