السويداء تحترق وإسرائيل تتدخل.. هل يتكرر سيناريو الساحل في جنوب سوريا؟

تفاقمت التوترات الطائفية في محافظة السويداء جنوبي سوريا خلال الساعات الماضية، بعد اندلاع اشتباكات دامية بين مقاتلين دروز وعشائر من البدو، خلفت عشرات القتلى والجرحى، وسط تحذيرات من انزلاق الأوضاع نحو تكرار سيناريو مجازر الساحل، في ظل تدخل إسرائيلي مفاجئ أثار تساؤلات حول أبعاد التصعيد.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الإثنين، تنفيذ هجوم استهدف دبابات في قرية “سميع” بالسويداء، في تدخل عسكري نادر يأتي تزامنًا مع تصاعد الاشتباكات المسلحة التي وصفها المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنها “الأعنف في المحافظة منذ سنوات”.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان مقتضب: “هاجمنا عدداً من الدبابات جنوب سوريا”، دون أن يقدّم تفاصيل إضافية.
عشرات القتلى والجرحى في اشتباكات السويداء
بحسب المرصد، أسفرت المعارك عن مقتل 40 شخصًا بينهم 27 من الطائفة الدرزية – بينهم طفلان – و10 من البدو، إلى جانب 3 مجهولي الهوية، فيما تجاوز عدد الجرحى 50 شخصًا.
من جهتها، أفادت وزارة الدفاع السورية بسقوط أكثر من 30 قتيلًا ونحو 100 جريح، بينهم 4 من جنود الجيش السوري الذين قُتلوا أثناء تدخلهم لفض الاشتباكات.
وذكرت وكالة “سانا” أن “مجموعات خارجة عن القانون” استهدفت الجنود أثناء محاولتهم حماية المدنيين.
الحكومة تتدخل بعد اشتباكات السويداء
في خطوة لاحتواء التصعيد، أعلنت وزارة الدفاع السورية أنها بدأت، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، نشر وحدات عسكرية في المناطق المتأثرة، وفتح ممرات آمنة للمدنيين.
وأشارت الوزارة في بيانها إلى أن “الفراغ المؤسساتي ساهم في تفاقم مناخ الفوضى، ومنع التدخل الفوري من قبل الأجهزة الرسمية”.
من جانبه، حمّل وزير الداخلية أنس خطاب غياب الدولة مسؤولية ما يجري، قائلاً عبر منصة “إكس”: “لا حل إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات لضمان السلم الأهلي”.
اختطاف واحتقان طائفي وراء اشتباكات السويداء
وفق المرصد السوري، بدأت الاشتباكات بعد أن أقدمت مجموعة مسلحة من البدو على اختطاف تاجر خضار درزي على طريق دمشق–السويداء، ما أدى إلى عمليات خطف متبادلة سرعان ما تحولت إلى صدام مسلح.
وأعلنت “السويداء 24” لاحقًا عن إطلاق سراح المخطوفين، إلا أن الاشتباكات كانت قد خرجت عن السيطرة.
وترتبط هذه الأحداث بتوترات متراكمة منذ أبريل، حين اندلعت اشتباكات بين مقاتلين دروز وقوات الأمن – مدعومة بعناصر من عشائر البدو – في مناطق قرب دمشق وفي محافظة السويداء.
مخاوف من تكرار سيناريو الساحل السوري
أثارت وتيرة العنف المتصاعدة مخاوف شعبية واسعة من تكرار ما حدث في الساحل السوري في مارس عندما وقعت مجازر طائفية بين جماعات مسلحة في ظل غياب السيطرة الحكومية.
وعبّرت قيادات روحية درزية عن قلقها البالغ، داعية إلى “الهدوء وضبط النفس”، وطالبت الحكومة بالتدخل السريع للحيلولة دون وقوع مجازر.
الدروز تحت الضغط.. وإسرائيل تلوّح
يُقدّر عدد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف نسمة، يتركزون في السويداء وبعض ضواحي دمشق. ومنذ مايو تولّت فصائل محلية درزية مسؤولية الأمن في المحافظة بموجب اتفاق مع الحكومة، لكن انتشار مسلحين من عشائر البدو في ريف المحافظة أبقى التوتر قائمًا.
وسبق لإسرائيل أن حذّرت دمشق من المساس بأبناء الطائفة الدرزية، وشنت عدة غارات جوية في سوريا خلال السنوات الماضية تحت ذريعة “حماية الأقليات”. ويأتي تدخلها الأخير في لحظة حرجة قد تزيد من تعقيد المشهد الميداني جنوب البلاد.
تحدّيات أمام الحكومة السورية
وتُعدّ هذه الأحداث اختبارًا حقيقيًا للحكومة الانتقالية التي تولّت السلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ تتزايد المخاوف من هشاشة الوضع الأمني، وسط انتقادات لتأخر الأجهزة الرسمية في التعامل مع التوترات الطائفية.
وفي خضم هذه الفوضى، دعت جهات دولية إلى حماية الأقليات في سوريا، مطالبة السلطة الجديدة بضمان مشاركتهم في المرحلة الانتقالية، لا سيما بعد مقتل العشرات في أعمال عنف مماثلة، وهجمات متطرفة طالت دور عبادة، كما حدث في يونيو/حزيران عندما قتل 25 شخصًا في تفجير استهدف كنيسة بدمشق.
إلى أين تتجه السويداء؟
بين تصعيد أمني غير مسبوق وتدخلات خارجية وأرضية خصبة للاحتقان الطائفي، تبقى السويداء في عين العاصفة.
ويخشى مراقبون أن تتجه الأمور نحو سيناريو كارثي ما لم تتدخل الدولة بقوة لإعادة فرض النظام، بالتزامن مع تحرك جاد من الفعاليات المحلية لضبط النفس وتجنيب الجنوب السوري مزيدًا من الدماء.
اقرا أيضا.. اشتباكات طائفية تهز اللاذقية.. ماذا يحدث بين الدروز والبدو جنوب سوريا؟