الطائفة العلوية .. حكاية أقلية حكمت سوريا أكثر من نصف قرن

بعد عقود من السيطرة على مقاليد الأمور في سوريا، سقط نظام الأسد وحزب البعث في سوريا وسقطتْ مع حكم الطائفة العلوية الأقلية الدينية التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ سوريا الحديث، خاصةً خلال فترة حكم عائلة الأسد الذي استمر لأكثر من نصف قرن.
التركيبة السكانية والتوزيع الجغرافي
يشكل العلويون ما بين 12% إلى 15% من سكان سوريا، أي ما يقارب 3 ملايين نسمة وفقا لأرقام عام 2016. يتمركزون بشكل رئيسي على طول الساحل السوري في محافظتي اللاذقية وطرطوس.
بالإضافة إلى تجمعات أخرى في دمشق وريف حمص وحماة. نتيجة للهجرة الكبيرة خلال الثورة السورية، ارتفعت نسبتهم الديموغرافية داخل سوريا لتتراوح بين 40% و 50% بحسب تقرير لصحيفة “إندبندنت”.
يُعد العلويون جزءا من تجمع أكبر يمتد على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، من شمال لبنان إلى سهول كيليكيا في تركيا، ويُقدر عددهم بحوالي 4 ملايين نسمة.
العقيدة والتاريخ
يعود أصل الطائفة العلوية إلى محمد بن نُصير في القرن التاسع الميلادي، الذي ظهر في حركة غلاة الشيعة في الكوفة. تُعرف العلوية أيضًا بالشيعة الإمامية الجعفرية، ويؤمنون بالأئمة الاثني عشر.
كلمة “علوي” تعني “تابع لعلي” (ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم). تعرض العلويون للاضطهاد عبر التاريخ من قبل حكام الخلافة الإسلامية، ما ساهم في عزلتهم عن المجتمعات الشيعية الأخرى.
العصر الذهبي للطائفة العلوية
شهد العلويون عصراً ذهبياً في ظل الدولة الحمدانية، واستطاعوا التكيف مع البيزنطيين. لكن مع وصول السلاجقة في القرن الحادي عشر، اضطروا للجوء إلى الجبال الساحلية، ما شكل نقطة تحول في تاريخهم. خلال الحروب الصليبية، استفاد العلويون من عزلتهم النسبية لتطوير طائفتهم ومجتمعهم.
صراع الطائفة العلوية وطائفة الحشاشين
في القرن الثاني عشر، دخل العلويون في صراع مع الإسماعيليين (الحشاشين) استمر قرابة قرن ونصف، انتهى بسيطرة العلويين على المنطقة. خلال حكم المماليك والعثمانيين، زادت عزلة العلويين، حيث اعتبرهم العثمانيون “هراطقة”. في القرن التاسع عشر، برز الزعيم العلوي إسماعيل بن عثمان، الذي تم تعيينه “مشيراً” على الجبال الساحلية من قبل العثمانيين.
تأسيس الدولة العلوية
في عام 1922، أنشأ الفرنسيون دولة علوية شملت الجبال الساحلية والمدن الرئيسية كاللاذقية وطرطوس. بعد استقلال سوريا عام 1948، انضمت الدولة العلوية إلى سوريا الموحدة، وبدأ العلويون بالنزول من الجبال والاندماج في المجتمع السوري.
العلويين وحزب البعث
لعب أكرم الحوراني، وهو سياسي سني، دوراً مهما في صعود العلويين من خلال حزبه العربي الاشتراكي. كذلك، كان لوهيب الغانم، وهو طبيب علوي، دور في انضمام العديد من العلويين لحزب البعث. في أواخر الأربعينيات، تأثر حافظ الأسد، وهو شاب علوي من القرداحة، بالغانم وانضم لحزب البعث.
السيطرة على سوريا
بعد انقلاب 1963، سيطر البعثيون على السلطة في سوريا، وكان من بينهم ضباط علويون مثل حافظ الأسد. في عام 1966، حسم صراع داخل الحزب لصالح صلاح جديد وحافظ الأسد، ما مهد الطريق لهيمنة العلويين على الدولة. بعد انقلاب 1970، أصبح حافظ الأسد رئيساً لسوريا، وبدأ في ترسيخ حكم عائلته.
العلويون والثورة السورية
خلال الثورة السورية عام 2011، اتخذ العلويون موقفاً رسمياً داعماً لبشار الأسد.
مع ذلك، شارك بعض العلويين في المظاهرات المناهضة للنظام، وحاول البعض تأسيس حركات ثورية في الساحل، مثل حركة “نحل الساحل”، التي قوبلت بالقمع.
العلويين بعد بشار الأسد
بعد سقوط نظام الأسد، يشعر العديد من العلويين بالقلق والخوف.
وتشير تقارير إلى نزوح بعض العائلات العلوية إلى الساحل أو إلى لبنان. مع ذلك، تلقت بعض العائلات تطمينات من قادة المعارضة.
وشهد الساحل احتفالات بسقوط الأسد، حتى في اللاذقية والقرداحة، مسقط رأس الأسد، وأصدر رجال دين ومشايخ علويون بيانات تعبر عن تأييدهم “للنهج الجديد” و”التعاون مع هيئة تحرير الشام والجيش الوطني الحر لبناء سوريا الجديدة”.
تضمنت هذه البيانات دعوات لتسليم السلاح وإزالة التماثيل والصور المرتبطة بالنظام السابق من الأماكن العامة، وجاء ذلك بعد لقاءات جمعت مشايخ علويين مع ممثلين عن هيئة تحرير الشام.