اللاجئون تحت الحصار.. هل تُغلق أوروبا أبوابها في وجه المهاجرين؟

في خطوة أثارت قلق الأوساط الحقوقية والدولية، فرضت بولندا رقابة مشددة على حدودها مع ألمانيا وليتوانيا، لتُعيد إلى الواجهة أزمة الهجرة والمهاجرين في أوروبا، ولكن هذه المرة من زاوية الحصار المنظم لطالبي اللجوء قبل أن تطأ أقدامهم أراضي الاتحاد الأوروبي.
وفي وقت تتصاعد فيه الخطابات الشعبوية ضد المهاجرين واللاجئين، يبدو أن أوروبا بدأت تغلق أبوابها تدريجيًا في وجه من يفرّون من الجوع والحرب والاضطهاد.
تفتيش اللاجئين على حدود أوروبا الشرقية
بحسب تقارير ففي الفترة بين 7 و13 يوليو الجاري، أجرت السلطات البولندية عمليات تفتيش شاملة لأكثر من 67 ألف شخص، إضافة إلى تفتيش 28,500 مركبة على حدودها مع ألمانيا.
ورغم هذه الأرقام الضخمة، لم يُمنع من دخول الأراضي البولندية سوى 24 شخصًا فقط، ما يعادل أقل من 0.04% من إجمالي المفحوصين.
في المقابل، وعلى حدودها مع ليتوانيا، تم فحص أكثر من 40 ألف شخص و19,500 مركبة، وأُعيد 19 مهاجرًا، مع توقيف 8 مهربين.
ورغم تواضع النتائج العددية، فإن الرسائل السياسية والإجراءات القانونية تنذر بتحوّل نوعي في سياسات الهجرة الأوروبية.
بولندا تحظر دخول طالبي اللجوء
في تحوّل قانوني كبير، سمحت السلطات البولندية مؤخرًا برفض دخول طالبي اللجوء عند المعابر الحدودية دون السماح لهم بتقديم طلباتهم، ما يُعد خروجًا صريحًا عن اتفاقية جنيف ومعايير الاتحاد الأوروبي في التعامل مع اللاجئين.
الخطوة، التي وصفتها منظمات حقوقية بأنها “حظر ناعم للجوء”، قد تُشكّل سابقة خطيرة في شرق أوروبا، خاصة إذا تبعتها دول أخرى، ما يفتح الباب أمام تشريع سياسات الطرد المسبق بدلًا من فحص الحالة الإنسانية لكل لاجئ.
معاناة اللاجئين بين برلين ووارسو
تشديد بولندا الرقابة على حدودها جاء بعد أشهر من خطوات ألمانية مماثلة. فمنذ أكتوبر 2023، بدأت ألمانيا فرض إجراءات تفتيش صارمة على حدودها مع بولندا، وبلغت ذروتها في مايو 2025 بتعليمات مباشرة من وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت.
وتفيد البيانات الألمانية بأنه تم منع 1,300 شخص من الدخول خلال شهري مايو ويونيو، مع تقديم طلبات لجوء في 10% فقط من الحالات.
يرى مراقبون أن ما يحدث هو رد فعل بولندي على السياسة الألمانية، و”رسالة سيادية” بأن وارسو لن تبقى بوابة عبور للمهاجرين نحو الغرب، لكن آخرين يحذرون من أن هذا التنافس الحدودي سيحوّل اللاجئين إلى رهائن للسياسات المتشددة.
معابر أوروبا الشرقية تتحول إلى ثكنات أمنية لـ اللاجئين
تملك بولندا 52 معبرًا حدوديًا مع ألمانيا و13 معبرًا مع ليتوانيا. وتُنفذ عمليات تفتيش دائمة حاليًا في 13 معبرًا نحو ألمانيا و3 نحو ليتوانيا، فيما تخضع بقية النقاط لرقابة فجائية.
وتؤكد الحكومة البولندية أنها ستُواصل العمل بهذه الإجراءات حتى 5 أغسطس على الأقل.
ووفق مراقبون فإن الخطير في المشهد أن الحدود الأوروبية بدأت تتحول تدريجيًا إلى نقاط عسكرية، مع انتشار الحواجز، ودوريات التفتيش، ومكاتب الفرز الحدودي، وسط غياب شبه تام لمراقبة حقوق الإنسان أو دور المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين.
اللاجئون بلا مأوى ولا حماية
في قلب هذه التطورات، يقف اللاجئون محاصرين بلا خيارات. فالمعابر مغلقة، وطلبات اللجوء تُرفض قبل أن تُقدَّم، والممرات الإنسانية تتضاءل أمامهم، بينما تصرّ الدول على اعتبارهم مشكلة أمنية لا مأساة إنسانية.
وبحسب تقارير فقد حذرت منظمات اغاثية من موجة ترحيل غير قانونية قد تشمل لاجئين فارّين من مناطق صراع حقيقية، خصوصًا مع غياب آليات الرقابة، ووجود اتفاقيات إعادة تُتيح للدول تبادل المهاجرين دون ضمانات كافية لسلامتهم أو لفحص ملفاتهم بإنصاف.
هل تنهار اتفاقية شنغن تحت ضغط الحدود الشرقية؟
ويرى مراقبون أن المشهد في بولندا ليس معزولًا. فمع تزايد الضغوط السياسية، وتصاعد الشعبوية اليمينية، واحتدام الانتخابات في أكثر من دولة، بدأت الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي تخضع لرقابة متبادلة، تهدد بإفراغ اتفاقية شنغن من مضمونها.
ويحذر هؤلاء إن ما بدأ كـ”إجراء مؤقت لمكافحة الهجرة غير النظامية” قد يتحوّل إلى واقع دائم يعيد رسم خريطة الحركة داخل أوروبا، ويُرسخ نموذج “أوروبا المحصّنة” في وجه من يبحث عن الأمان.