اليونانيون في القاهرة.. رابطة خالدة بين حضارتين قديمتين

القاهرة (خاص عن مصر)- إن المجتمع اليوناني في القاهرة، على الرغم من صغر عدده اليوم، يظل شاهدًا نابضًا بالحياة على الروابط التاريخية والثقافية العميقة بين اليونان ومصر.

بجذور تمتد إلى العصور القديمة، ترك اليونانيون في القاهرة بصمة لا تمحى على النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمدينة، وعلى الرغم من الهجرة الكبيرة خلال منتصف القرن العشرين، ما يزال المجتمع مزدهرًا، ويحافظ على تراثه مع اعتناق هويته المصرية.

تاريخ غني.. اليونانيون في مصر عبر العصور

وفقا لتقرير موقع جريك ريبورتر، كان اليونانيون حاضرين في مصر منذ القرن السابع قبل الميلاد على الأقل، حيث أشار المؤرخ هيرودوت إلى استيطانهم المبكر في القرن الخامس قبل الميلاد.

مع ذلك، بدأ المجتمع اليوناني الحديث في القاهرة في التبلور في منتصف القرن التاسع عشر، عندما هاجر عشرات الآلاف من اليونانيين إلى مصر، وخاصة إلى القاهرة والإسكندرية، ولعب هؤلاء المهاجرون دورًا محوريًا في تعزيز الروابط بين الحضارتين المتوسطيتين.

بحلول عام 1856، تأسست أول جالية يونانية منظمة في القاهرة، وتمركزت في أحياء مثل تسوونيا وحارة الروم وحمزاوي، ازدهرت الجالية، وبنت المدارس والكنائس والمجتمعات التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي للمدينة.

العصر الذهبي وخروج ناصر

حتى الخمسينيات من القرن العشرين، ازدهرت الجالية اليونانية في القاهرة، وتفوقت في مجال الأعمال والزراعة والفنون، ومع ذلك، أدت سياسات التأميم في عهد ناصر إلى هجرة لليونانيين من مصر، وعلى الرغم من ذلك، استمر إرث الجالية، حيث تقف مؤسسات مثل كنيسة القديسين قسطنطين وهيلين الأرثوذكسية اليونانية، التي بنيت في عام 1914، كرموز دائمة لوجودهم.

في السنوات الأخيرة، خضعت الكنيسة لترميم واسع النطاق وأعيد فتحها، مما يرمز إلى مرونة الجالية اليونانية، وبالمثل، تم تحديث وتوسيع المستشفى اليوناني في القاهرة، والذي يضم الآن عيادة خارجية على أحدث طراز.

اقرأ أيضا.. مصر ترفض تهجير غزة وتركز على إعادة الإعمار.. القاهرة وباريس تعارضان النقل القسري

الهوية المزدوجة.. اليونانيون الذين يعتبرون مصر وطنهم

اليوم، يبلغ عدد الجالية اليونانية في القاهرة بضع مئات فقط، مع احتساب العديد من الأفراد من أصل يوناني رسميًا كمواطنين مصريين، ومع ذلك، فإن ارتباطهم بجذورهم اليونانية ما يزال قويًا.

قال ليونيداس فونتري، أحد أعضاء الجالية اليونانية: “لدينا وطنان، لا نميز أحدهما عن الآخر”، وكرر أريس جروستين، وهو طالب في المركز اليوناني في هليوبوليس، هذا الشعور قائلاً: “عندما أكون في القاهرة، أشعر أنني مصري؛ وعندما أكون في اليونان، أشعر أنني يوناني”.

تنعكس هذه الهوية المزدوجة في مؤسسات المجتمع، مثل مدرسة أكيلوبوليوس، التي تعمل منذ عام 1928، تقدم المدرسة، التي تقع في مبنى معماري يوناني كلاسيكي، منهجًا دراسيًا يتضمن دروسًا في اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا المصرية، يدرسها معلمون مصريون، كما ترحب بالأطفال المصريين الذين هاجر آباؤهم إلى اليونان، مما يعزز التبادل الثقافي.

الحفاظ على التراث الثقافي والعلاقات الدبلوماسية

يظل النادي اليوناني في القاهرة، وهو مكان تاريخي لتجمع المغتربين اليونانيين، مركزًا للمناقشات حول قضايا الأعمال والسياسة والشتات، ويواصل النادي تقديم الطعام اليوناني اللذيذ، والحفاظ على تقاليد الطهي للمجتمع.

في السنوات الأخيرة، كان هناك اهتمام متجدد بتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين اليونان ومصر، وقد أثر هذا بشكل إيجابي على الشتات اليوناني، حيث زار العديد من السياسيين اليونانيين القاهرة وتوسعت الاستثمارات اليونانية في قطاعات مثل الخدمات المصرفية والسياحة والورق والنفط.

زر الذهاب إلى الأعلى