بريطانيا تنحاز لـ المغرب في أزمة الصحراء.. ماذا يعني ذلك؟

أنهت بريطانيا ترددها الطويل بخصوص ملف الصحراء المغربية، معلنة بشكل صريح دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، واصفة إياها بـ”الأساس الأكثر واقعية ومصداقية وقابلية للتطبيق” لحل النزاع.
وفي مؤتمر صحفي جمعه بنظيره المغربي ناصر بوريطة بالعاصمة الرباط، أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن المملكة المتحدة ترى في خطة الحكم الذاتي المغربية أساسًا عمليًا وجديرًا بالثقة لحل دائم للنزاع.
وقال لامي إن “المقترح المغربي يُعد القاعدة الأنجع والأكثر قابلية للتطبيق”، مشيرًا إلى توافق بلاده مع القرار 2602 الصادر عن مجلس الأمن، الذي يشيد بالجهود المغربية المتواصلة.
بحسب تقارير هذا الموقف البريطاني يكتسب أهمية خاصة بالنظر إلى ثقل بريطانيا الدولي، سواء داخل مجلس الأمن كعضو دائم، أو على الساحة الأوروبية والدولية، لا سيما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وسعيها لتوسيع نفوذها عبر شراكات ثنائية.
تحول دبلوماسي متدرج لـ بريطانيا نحو المغرب
رغم وصف الإعلان البريطاني بـ”التاريخي”، إلا أن مؤشرات هذا التحول كانت واضحة منذ أشهر. ففي أبريل الماضي، أشار لامي خلال جلسة برلمانية إلى مشاورات معمقة مع الرباط بشأن الملف، كما عبّر وزير التجارة دوغلاس ألكسندر عن اهتمام بلاده بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمغرب.
تُظهر هذه الخطوات تدحرج الموقف البريطاني تدريجيًا من الحياد التقليدي إلى دعم صريح لمغربية الصحراء، على غرار مواقف فرنسا، إسبانيا، والولايات المتحدة. ويعكس هذا التوجه انسجامًا مع التحولات الجيوسياسية في المنطقة ومع رؤية الرباط للحل السياسي.
تأثير موقف بريطانيا على أزمة الصحراء المغربية
من جانبه، اعتبر ناصر بوريطة أن دعم لندن يُعد “تحولًا مهمًا لعضو في مجلس الأمن وصديق للأمين العام للأمم المتحدة”، مبرزًا أن للموقف أبعادًا اقتصادية واستراتيجية، لا سيما في ظل اهتمام جهات بريطانية بالاستثمار في الصحراء المغربية.
وأشار الوزير المغربي إلى أن الدينامية الجديدة لا تُقرأ بوصفها مجرّد اعتراف رمزي، بل هي دعامة حقيقية لمسار الحل السياسي تحت السيادة المغربية.
كما أكد أن العاهل المغربي الملك محمد السادس يقود الدبلوماسية المغربية على أساس الوضوح والمسؤولية، مع تشديده على ضرورة تحمّل الأمم المتحدة والأطراف الدولية لمسؤولياتها في تسريع تسوية النزاع.
انتصار جديد للمغرب
يرى مراقبون أن التحول البريطاني يُعد انتصارًا جديدًا للدبلوماسية المغربية التي اعتمدت، على مدى سنوات، مقاربة واقعية واستباقية. فبدل التصلب الخطابي، اختارت الرباط مسار بناء الثقة الدولية وإقناع العواصم الكبرى بجدوى مبادرتها.
وقد أدّى هذا النهج إلى تآكل أطروحة الانفصال على الصعيد الدولي، في وقت تزداد فيه عزلة جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر، التي لم تعد قادرة على مجاراة التحولات المتسارعة، كما يظهر في توتر علاقاتها مع مدريد وباريس عقب مواقفهما المؤيدة للمغرب.
تأثيرات محتملة على المواقف الأوروبية
بحسب تقارير يُتوقع أن يسهم الموقف البريطاني في دفع بلدان أوروبية أخرى نحو تبني مواقف مماثلة. فعلى الرغم من خروج لندن من الاتحاد الأوروبي، لا تزال تحتفظ بنفوذ معتبر في القارة، وتُعد شريكًا دبلوماسيًا محوريًا في ملفات الأمن والطاقة والهجرة، خاصة في منطقة المتوسط والساحل.
كما أن دعم بريطانيا لمبادرة الحكم الذاتي قد يفتح الباب أمام توافق أوسع داخل مجلس الأمن، ما يعزز فرص التقدم نحو تسوية سياسية نهائية وفق المرجعيات الأممية، دون الانسياق وراء طروحات انفصالية فقدت زخمها الدولي.
شراكات اقتصادية واعدة بين بريطانيا والمغرب
لم يكن التحول البريطاني سياسيًا فقط، بل ترافق مع خطوات اقتصادية ملموسة. فقد تم التوقيع على أربع مذكرات تفاهم بين البلدين تشمل مجالات التعليم، الصحة، الابتكار، وتدبير الموارد المائية، بما يعكس إرادة مشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية.
كما لمّح وزير الخارجية البريطاني إلى رغبة مستثمرين بريطانيين في دخول السوق المغربية، خاصة في الأقاليم الجنوبية، في قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والسياحة، مما يعكس اقتناعًا بكون الصحراء المغربية منطقة مستقرة وجاذبة.
تعاون أمني بين المغرب وبريطانيا في منطقة الساحل والصحراء
في الجانب الأمني، يشكل المغرب شريكًا موثوقًا لبريطانيا في جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، لاسيما في منطقة الساحل، حيث تلعب الرباط دورًا استباقيًا في الاستقرار الإقليمي، وقد شدد الوزيران في بيانهما المشترك على أهمية تعزيز التعاون الأمني وتبادل الخبرات.
اقرا أيضا
دولة فلسطينية في فرنسا.. هل تنقلب واشنطن على ماكرون بسبب إسرائيل؟