بريطانيا وفرنسا توقعان اتفاقية دفاع نووى مشترك لأول مرة.. ما علاقة روسيا؟

في خطوة توصف بالتاريخية، أعلنت المملكة المتحدة وفرنسا عن توقيع اتفاق لتنسيق قدراتهما النووية، بما يتيح إمكانية تنفيذ رد نووي مشترك في مواجهة “التهديدات القصوى”، في ظل تزايد المخاوف الأوروبية من تهديدات الدب الروسي، وسط تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالقارة العجوز.

اتفاق بريطانيا وفرنسا على “الردع النووي” المشترك

الاتفاق، الذي وُقّع بين رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ينص على أن “الردع النووي لدى البلدين سيبقى مستقلًا، لكنه قابل للتنسيق المشترك”، وهو تطور غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدفاعية بين القوتين النوويتين الوحيدتين في أوروبا.

وصرّح ستارمر قائلاً: “من الحرب في أوروبا إلى المخاطر النووية الجديدة والهجمات السيبرانية اليومية، تتعدد التهديدات التي نواجهها .. نحن مستعدون لاستخدام قوتنا المشتركة لتعزيز قدراتنا للسنوات القادمة”.

إعادة رسم معادلات الردع في أوروبا

ويأتي هذا الاتفاق ضمن جهود أوسع لتعزيز الردع الأوروبي، تزامنًا مع مساعٍ لتطوير صواريخ هجومية بعيدة المدى وصواريخ مضادة للسفن.

كما يعكس أيضًا توجّهًا أوروبيًا لتقليل الاعتماد على المظلة النووية الأمريكية، خصوصًا مع تصاعد التوترات مع روسيا، والقلق المتزايد من تغيّرات في السياسة الأمريكية تجاه حلف الناتو، خاصة في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وبحسب الحكومة البريطانية، فإن “أي تهديد لمصالح بريطانيا أو فرنسا الحيوية سيقابل برد نووي مشترك من البلدين”. كما أشار وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، إلى أن الشراكة الجديدة “ترسل رسالة واضحة لخصومنا: نحن أقوى معًا”.

مظلتان نوويتان مستقلتان .. وقابلتان للتكامل

تمتلك بريطانيا نحو 225 رأسًا نوويًا، بينما تمتلك فرنسا حوالي 290 رأسًا، وفقًا لتقديرات مركز “تشاتام هاوس” للأبحاث.

وتُشغّل بريطانيا منظومة ردع تعتمد على صواريخ باليستية تُطلق من غواصات (Trident II D5)، بينما تمتلك فرنسا نظامًا نوويًا مزدوجًا يشمل صواريخ باليستية بحرية وأخرى نووية تُطلق من الجو، ضمن منظومة مستقلة بالكامل عن الناتو والولايات المتحدة.

وفي حين أعلنت بريطانيا عن خطط لامتلاك مقاتلات “F-35A” القادرة على حمل القنابل النووية الأمريكية من طراز B61-12، إلا أن استخدام هذه الأسلحة يظل مشروطًا بموافقة واشنطن والحلف الأطلسي، على عكس فرنسا التي تحتفظ باستقلالية تامة في قرار استخدام أسلحتها النووية.

تحميل صواريخ نووية على مقاتلات فرنسا وبريطانيا

تعاون عملياتي واستخباراتي محتمل

رغم غموض التفاصيل العملية للاتفاق، إلا أن السيناريوهات المتوقعة تشمل دعمًا متبادلًا في العمليات النووية البحرية عبر تبادل الغواصات الهجومية والمرافقة، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الاستخبارات والإنذار المبكر واللتزود بالوقود جوًا، فضلًا عن الحماية الجوية.

أما في أوقات الأزمات، فمن المرجح أن تنسق باريس ولندن بشكل وثيق ضمن إطار الناتو، لكن الاتفاق الجديد يشير إلى إمكانية تنشيط شراكة نووية ثنائية عند الضرورة، حتى خارج المظلة الأمريكية.

مناورات وتطوير مشترك لصواريخ الجيل الجديد

يتضمن الاتفاق أيضًا تطويرًا مشتركًا لصاروخ هجومي جديد بعيد المدى، بديلًا لصوخي Storm Shadow البريطاني وSCALP EG الفرنسي، إلى جانب العمل على صاروخ جديد مضاد للسفن.

ويُحتمل أن تشمل التصاميم المستقبلية خيارات برؤوس نووية، خاصة في ظل سعي بريطانيا لاستعادة قدرتها على الضربات النووية الجوية.

كما أعلنت فرنسا عن تطوير صاروخ نووي جديد من الجيل الرابع (ASN4G) بقدرات تفوق سرعة الصوت (تفوق Mach 5) ومدى يتجاوز 1000 كيلومتر.

وقد يوفر هذا السلاح، في حال أكمل تطويره، منصة نووية جوية لبريطانيا خارج نطاق السيطرة الأمريكية.

هل تتجه أوروبا لبناء مظلتها النووية الخاصة؟

الاتفاق البريطاني – الفرنسي يعيد فتح النقاش داخل أوروبا حول “المشاركة النووية” القارية، مع ارتفاع الأصوات في ألمانيا التي تدعو لمظلة ردع أوروبية موحدة في ظل تآكل الثقة في الضمانات الأمريكية.

في هذا السياق، كانت فرنسا قد طرحت في وقت سابق فكرة نشر أسلحة نووية جوية على الأراضي الألمانية، كما أن بريطانيا وألمانيا أطلقتا مؤخرًا مشروعًا مشتركًا لصاروخ هجومي دقيق بعيد المدى قد يتجاوز مداه 2000 كلم، وربما يحمل مستقبلًا رأسًا نوويًا، ولو كان ذلك خيارًا كامنًا فقط.

تحالف نووي يتجاوز واشنطن

يمثل هذا التنسيق النووي سابقة في تاريخ فرنسا، التي لطالما تمسّكت باستقلال قرارها النووي، كما يمنح بريطانيا بوابة للتعاون مع قوة نووية أوروبية خارج إطار الولايات المتحدة، في ظل مناخ دولي متقلب.

التحالف الجديد قد يكون اللبنة الأولى نحو بناء مظلة ردع أوروبية مستقلة، وأكثر انسجامًا مع الواقع الجيوسياسي الحالي الذي يشهد تغيرات عميقة في بنية التحالفات الدولية وضمانات الأمن الجماعي.

اقرأ أيضاً.. يعمل منذ 70 عاما.. الجيش الأمريكي يبحث عن بديل للرشاش M240| برنامج بمليون دولار لأبحاث بنادق الجيل القادم

زر الذهاب إلى الأعلى