بعد 100 عام من الحظر.. باريس تحتفل بعودة تاريخية للسباحة العامة في نهر السين | شاهد

شهدت باريس هذا الأسبوع لحظة فارقة في تاريخها المدني والبيئي مع إعادة فتح نهر السين أمام السباحة العامة لأول مرة منذ أكثر من 100 عام.

واحتُفل بهذا التحول، الذي استغرق سنوات، في نهاية هذا الأسبوع، حيث غطس آلاف الباريسيون والسياح في مناطق السباحة المُخصصة حديثًا، مُسجلين بذلك إنجازا بارزا في تاريخ العاصمة.

عودة الحياة إلى قلب باريس: نهر السين يتحول إلى وجهة سباحة حضرية

وجاءت هذه الخطوة في أعقاب حملة تنظيف ضخمة بلغت تكلفتها 1.4 مليار يورو – وهي مبادرة تم تسريعها بفضل استضافة باريس لدورة الألعاب الأولمبية 2024، ما حوّل المشروع من حلم بيئي إلى إنجاز ملموس.

وبعد أن كان ممنوعا بسبب التلوث، أصبح نهر السين يستقبل الآن ما يصل إلى 1000 سباح يوميا في ثلاثة مواقع آمنة وخاضعة للإشراف.

وستبقى هذه المواقع، الواقعة بالقرب من برج إيفل وكاتدرائية نوتردام والمكتبة الوطنية، مفتوحة ومجانية للجمهور حتى نهاية أغسطس.

نهر السين
باريسيون وزوار يسبحون في نهر لسين بالقرب من برج إيفل – الجارديان

من الأولمبياد إلى الشارع

لم تكن إعادة الحياة إلى نهر السين ممكنة لولا تحالف نادر بين السياسيين والنشطاء المدنيين. فقد دعمت عمدة باريس المنتهية ولايتها، آن هيدالغو، المشروع بشكل مباشر، بل وسبحت في النهر بنفسها الصيف الماضي قبل انطلاق الألعاب الأولمبية، في لقطة رمزية دعمت ثقة المواطنين بالمشروع.

وجاء دعمها بعد سنوات من الضغط من قبل المواطنين الذين كانوا، على الرغم من الحظر، يستخدمون النهر بشكل غير قانوني للسباحة، مُصرّين على حقهم في مجاري مائية نظيفة وسهلة الوصول.

وشمل هذا التحول ربط أكثر من 20 ألف منزل بنظام الصرف الصحي، بعدما كانت مياهها تُصرف مباشرة في النهر. كما تم تطوير محطات معالجة المياه وإنشاء خزانات ضخمة لتجميع مياه الأمطار وتفادي فيضان المجاري خلال العواصف، بطاقة تخزينية تعادل 20 مسبحًا أولمبيًا.

الصحة العامة والسلامة في صميم الاهتمام

بالتزامن مع افتتاح مواقع السباحة، تم تزويد كل موقع برجال إنقاذ، ومرافق للاستحمام وتبديل الملابس، ونظام إشارات بالألوان يُحدث يوميًا لإعلام الزوار بمستوى جودة المياه. ومع ذلك، يمنع الغوص منعا باتا نظرا لضحالة عمق النهر في مناطق السباحة.

نهر السين
منقذ في أحد مواقع السباحة الآمنة الثلاثة على نهر السين – الجارديان

رغم مخاوف صحية محدودة ظهرت خلال الألعاب الأولمبية، حين تأثرت بعض التدريبات بارتفاع نسبة التلوث. ومع ذلك، سارت الفعاليات كما هو مخطط لها، مما عزز جدوى مبادرة السباحة العامة ومهد الطريق لثقة أوسع في المشروع.

قدوة أوروبية: باريس نموذج يُحتذى في مواجهة تغيّر المناخ

وتُعد مبادرة باريس جزءا من توجه أوروبي أوسع نطاقا لاستعادة الأنهار الحضرية كمساحات ترفيهية، خصوصا مع تصاعد درجات الحرارة في الصيف. ويشير خبراء البيئة إلى أن هذه الخطوة لا تمثل فقط رمزًا للنجاح الحضري، بل نموذجا يُمكن تبنيه في مدن أخرى.

ويقول جاك ريفيه، خبير التخطيط الحضري وأحد مستشاري المشروع:”ما حدث في باريس دليل حي على أن المدينة تستطيع التوفيق بين حماية البيئة وتوفير فضاءات عامة صحية، دون التنازل عن أي من الطرفين. نهر السين ليس مجرد مجرى مائي، بل هو مرآة لعلاقتنا مع الطبيعة”.

مواقع جديدة قريبا والرئيس ماكرون تحت المجهر

وإضافة إلى المواقع الثلاثة الجديدة في قلب باريس، تم افتتاح موقعين للسباحة على نهر المارن، على أن تُفتتح 12 موقعا إضافيا خلال الفترة المقبلة، ما يوسع نطاق الاستفادة من هذه المبادرة لتشمل سكان الضواحي ومجتمعات أخرى.

اقرأ أيضا.. معضلة أوروبا.. بناء صناعة عسكرية أو الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة

مع عودة نهر السين إلى مكانه الطبيعي، اتجهت أنظار الرأي العام نحو الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تعهد ذات مرة بالسباحة فيه بمجرد أن يصبح النهر آمنا. وبينما لم تُشاهد غطسته بعد، بدأ الباريسيون بالفعل في إحداث ضجة فيما قد يصبح إحدى تجارب الصيف المميزة.

باريس تُعيد مياهها لأهلها

مع عودة السباحة إلى نهر السين، تُعيد باريس تشكيل علاقتها بأحد أبرز رموزها الجغرافية والثقافية. هذه المبادرة، التي جمعت بين الإرادة السياسية والضغط الشعبي، تمثل تحولا حضريا عميقًا يعيد النهر إلى قلب الحياة اليومية ويُعيد المياه إلى أيدي الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى