بعد 96 عامًا.. علماء آثار يكتشفون الجزء المفقود لـ رمسيس الثاني

في إنجازٍ أثريٍّ تاريخيٍّ هائل، أكمل فريقٌ من الخبراء الأمريكيين والمصريين بحثًا استمر 96 عامًا، باكتشاف الجزء المفقود لرمسيس الثاني، الفرعون المصري القديم المعروف بقيادته العسكرية ومبانيه الضخمة.

وكان يُعتقد في البداية أن ارتفاع التمثال يبلغ 23 قدمًا، وقد كُشف عنه جزئيًا عام 1930، لكن النصف العلوي ظلّ بعيد المنال حتى الآن.

اكتشافٌ بارزٌ استغرق قرابة قرنٍ من الزمن

اكتشف عالم الآثار الألماني غونتر رودر النصف السفلي من التمثال عام 1930 بالقرب من الأشمونين، الواقعة في محافظة المنيا، على بُعد حوالي 150 ميلًا جنوب القاهرة.

في ذلك الوقت، أُشيد باكتشاف رودر باعتباره استثنائيًا، إلا أن النصف العلوي من التمثال، بما في ذلك وجه الملك، كان مفقودًا.

رغم عمليات البحث المكثفة، ظلّ هذا الاكتشاف أحد أكثر الألغاز إثارةً في علم المصريات. كان الجزء السفلي من التمثال قد كشف بالفعل الكثير عن عظمة رمسيس الثاني، إلا أن الحجم الحقيقي للنصب ظلّ غير مكتمل – حتى الآن.

في مارس 2024، وبعد قرابة قرن من الانتظار، اكتشف فريق من علماء الآثار، بالتعاون مع خبراء أمريكيين، النصف العلوي المفقود من التمثال.

يُصوّر الجزء العلوي، الذي يبلغ طوله 12.5 قدمًا، رمسيس الثاني مرتديًا غطاء رأس مزينًا بأفعى كوبرا ملكية. وقد أضفى تأكيد الفريق أن التمثال في حالة ممتازة شعورًا بالاكتمال على أحد أهم الاكتشافات في علم الآثار الحديث.

أقرا أيضا.. بعد إدانتها بالاختلاس.. منع مارين لوبان من الترشح للرئاسة الفرنسية 2027

الجزء المفقود لرمسيس الثاني.. مفاجآت في أعمال التنقيب

كانت رحلة الكشف عن النصف العلوي من التمثال محفوفة بالشكوك. عُثر على التمثال ووجهه لأسفل في يناير 2024، في منطقة قريبة من نهر النيل.

أثار قربه من منسوب المياه الجوفية مخاوف بشأن الحفاظ عليه، لا سيما بعد بناء سد أسوان المنخفض، الذي غيّر منسوب المياه في المنطقة وأثر على حالة القطع الأثرية القديمة.

تقول إيفونا ترنكا-أمرين، الأستاذة المساعدة في قسم الكلاسيكيات بجامعة كولورادو بولدر والقائدة المشاركة لفريق التنقيب: “أحيانًا يُكتشف حجر رملي، وهو في الأساس مجرد رمل أو حجر جيري متحلل. لم يكن هناك ما يضمن سلامة الحجر”.

ولحسن الحظ، بعد مزيد من التنقيب، سُرّ الفريق باكتشاف أن التمثال محفوظ بشكل جيد للغاية. فبالإضافة إلى حالته الأصلية، عُثر على آثار صبغة زرقاء وصفراء على سطح التمثال.

وتُقدم هذه الصبغة دليلًا رائعًا على المظهر الأصلي للتمثال، وقد تُساعد الباحثين على فهم المزيد عن الممارسات الفنية في مصر القديمة.

“كان من المحتمل وجود بقية التمثال، لكنها كانت مفاجأةً كبيرة”، علّقت ترنكا-أمرين، مؤكدةً على الطبيعة غير المتوقعة لهذا الاكتشاف.

أهمية الاكتشاف وما يليه

يُقدّم هذا الاكتشاف الرائع لمحةً نادرةً عن التراث الفني والثقافي لمصر القديمة في عهد أحد أقوى فراعنتها وأكثرهم شهرة.

كان رمسيس الثاني، المعروف بحملاته العسكرية ومشاريعه الإنشائية الواسعة، رمزًا لعظمة مصر وأهميتها الثقافية. يُعدّ التمثال، الذي يُعتقد أنه شُيّد في عهده في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، شاهدًا على إرثه.

الخطوة التالية للفريق الأثري هي إعادة توحيد جزأي التمثال. وقد قدّم باسم جهاد، المشارك المصري في قيادة المشروع، بالفعل مقترحًا لإعادة توحيد النصفين السفلي والعلوي، وتعرب ترنكا-أمرين عن تفاؤلها بحصول المشروع على الموافقة.

بمجرد إعادة تجميعه، سيُعرض تمثال رمسيس الثاني كاملاً، مُقدماً للزوار صورةً رائعةً لقوة الملك القديم وسلطته.

أسرار مصر القديمة المستمرة

يُبرز اكتشاف هذا التمثال الجاذبيةَ المُستمرة لعلم المصريات والأسرارَ الخالدة التي لا تزال تُكتشف. إن اكتشاف الآثار والقطع الأثرية القديمة لا يُثري فهمنا لمصر القديمة فحسب، بل يربطنا أيضاً بحضارةٍ ثريةٍ وعميقةٍ شكّلت جزءاً كبيراً من تاريخ وثقافة العالم الحديث.

مع استمرار الخبراء في تحليل أصباغ التمثال وتفاصيله الأخرى، من المؤكد أن رؤىً جديدةً حول الممارسات الثقافية والإنجازات الفنية لمصر القديمة ستظهر. لا يُعد هذا الاكتشاف انتصاراً لعلم الآثار فحسب، بل يُذكرنا أيضاً بكمية الكنوز التي لا تزال تنتظر الكشف عنها من العالم القديم.

زر الذهاب إلى الأعلى