بنوك أوروبا تقتحم عالم صناعة السلاح وتوجه استثماراتها لشركات التصنيع العسكري

في خطوة تعكس تحوّلاً نوعياً في السياسة المالية، بدأت بنوك أوروبا الكبرى في إعادة توجيه بوصلتها الاستثمارية نحو قطاع الدفاع، الذي كان يُنظر إليه لعقود بوصفه قطاعًا “محفوفًا بالمخاطر الأخلاقية”.

ويقود هذا التوجه بنوك مثل بي إن بي باريبا، دويتشه بنك، كوميرز بنك وسوسيتيه جنرال، في مسعى لربط التمويل بالاستراتيجية الأمنية.

الصناعة العسكرية تجذب بنوك أوروبا

هذا الانعطاف الجريء، الذي تدفعه تحديات جيوسياسية متفاقمة وزيادة غير مسبوقة في ميزانيات الدفاع الأوروبية، جعل من الصناعة العسكرية جاذبة لرأس المال المصرفي، بعد أن كانت تُهمّش لصالح القطاعات “النظيفة” مثل الطاقة المتجددة.

قفزة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي

في عام 2024، خصصت دول الاتحاد الأوروبي ما يفوق 270 مليار يورو للدفاع، مع مؤشرات على استمرار التصاعد في السنوات المقبلة، ما دفع البنوك إلى الدخول كلاعب رئيسي في تمويل الطائرات، والصواريخ، والبنية التحتية الرقمية.

دعم مؤسسي: تشكيل فريق مصرفي للدفاع

في أبريل 2025، أعلن الاتحاد المصرفي الأوروبي عن تشكيل فريق عمل متخصص لتمويل الدفاع، بمشاركة أبرز البنوك الأوروبية.

وهدفه تبسيط التمويل وتحفيز الإنتاج العسكري المحلي ضمن التوجه نحو الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي.

صناديق دفاعية مدرجة في البورصة

أطلقت مجموعة بي إن بي باريبا صندوقًا استثماريًا متداولًا في بورصة باريس، يتتبع مؤشرًا مخصصًا لشركات الدفاع الأوروبية، في محاولة لتوفير أدوات مالية تربط بين الأسواق ورؤية الأمن القومي.

مشاريع ضخمة: من تايفون إلى ليوبارد

تحظى برامج مثل يوروفايتر تايفون ودبابة ليوبارد 2 بدعم مصرفي متزايد، نظرًا لحجمها الهائل وأهميتها الاستراتيجية في صراعات الحاضر والمستقبل.

كما تجذب مشاريع مثل نظام الدفاع الجوي IRIS-T ومروحية NH90 تمويلاً من البنوك الفرنسية والألمانية.

التمويل الأوروبي: من الماضي إلى الحاضر

رغم أن البنوك الأوروبية ساهمت خلال الحرب الباردة في دعم مشاريع الناتو، إلا أن الحقبة التالية ركّزت على القطاعات المدنية.

ولكن اليوم، يشكل التمويل الدفاعي عودة إلى تلك الأدوار التاريخية، مع اختلاف السياق وتزايد التحديات الأخلاقية.

وتبتكر البنوك أدوات جديدة مثل السندات الدفاعية الخضراء، وتدخل في شراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم برامج استراتيجية مثل المقاتلة الأوروبية المستقبلية FCAS.

المنافسة مع أمريكا: التمويل كسلاح جيوسياسي

في مقارنة مع النموذج الأمريكي، حيث يُعتبر تمويل الدفاع تقليدًا راسخًا، بدأت البنوك الأوروبية في تضييق الفجوة، خصوصًا مع سعي شركات مثل تاليس وساب للتوسع في آسيا والشرق الأوسط.

ورغم الأرباح المتوقعة، تواجه البنوك نقدًا أخلاقيًا وتنظيميًا مستمرًا.

فبعض الدول تفرض قيودًا صارمة على الصادرات، كما أن الرأي العام لا يزال منقسمًا بشأن تمويل الأسلحة. لكن البنوك تبرر تحركاتها باعتبارها مساهمة في تعزيز الأمن الجماعي الأوروبي.

مستقبل التمويل الدفاعي في أوروبا

يتوقع المحللون أن تمويل الدفاع قد يُمثل ما يصل إلى 15% من محافظ القروض المصرفية بحلول 2028، مع توقعات بنمو إيرادات القطاع المصرفي الأوروبي مقارنةً بنظيره الأمريكي.

ازدواجية في المعايير .. الربح مقابل الأخلاق

تحول البنوك الأوروبية نحو تمويل صناعة الدفاع ليس مجرد استجابة لحالة طارئة، بل يعكس إعادة تعريف لدورها في خدمة الأمن القومي. وبينما تستفيد هذه المؤسسات من فرص استثمارية ضخمة، فإنها تخوض تحديًا مزدوجًا: الربحية مقابل الأخلاق، والتمكين الأمني مقابل القيود التنظيمية.

ويبقى السؤال الجوهري: هل تنجح هذه البنوك في الحفاظ على التوازن بين الربح والمسؤولية؟ الجواب قد يحدد شكل أوروبا الدفاعي في العقود القادمة.

اقرأ أيضاً.. الصين تكشف عن شبحها الجوي الأكبر.. هل تنافس قاذفات أمريكا العابرة للقارات؟

زر الذهاب إلى الأعلى