بين حسابات الداخل وأجندات الخارج.. هل ينجو “سلاح حزب الله” من الضغوط الدولية؟

تعود قضية سلاح “حزب الله” إلى واجهة الجدل اللبناني والإقليمي مجددًا، مع تصاعد الضغوط الغربية، وتحديدًا الأمريكية، على بيروت لاتخاذ خطوات ملموسة لنزع السلاح من يد الحزب، في إطار ما يُوصف بـ”تسوية شاملة” مرتبطة بملف الحدود مع إسرائيل واستقرار جنوب لبنان.
وبحسب وسائل إعلام، كشف مصدر لبناني مطّلع، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن المبعوث الأمريكي توم باراك حمل خلال زيارته إلى بيروت في يونيو الماضي، مقترحًا من ثلاث نقاط، أبرزها “نزع سلاح حزب الله وحصره في يد الدولة اللبنانية”.
وأشار المصدر إلى أن المقترح الأمريكي مدعوم من باريس ويحظى بقبول إقليمي ضمني، مع وضع مهلة زمنية غير معلنة، تنتهي في نوفمبر المقبل، للبدء بتنفيذ خطوات واقعية على الأرض.
حزب الله يرد على المهلة الأمريكية
الرد جاء هذه المرة من نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، رافضًا أي تدخل خارجي، مؤكدًا أن “السلاح خط أحمر لن يُسلّم للعدو الإسرائيلي”.
في كلمة ألقاها مساء الأربعاء في الضاحية الجنوبية لبيروت، خلال مراسم إحياء ليالي شهر محرم، قال نعيم قاسم إن “قضايا الداخل اللبناني، بما فيها موضوع السلاح، تُناقش وتُعالج بين اللبنانيين وحدهم، ولا علاقة لإسرائيل أو غيرها بأن تراقب أو تتدخل في ذلك”.
وتابع قاسم: “نحن لا نقبل أن نُساق إلى المذلّة، ولا أن نسلّم سلاحنا للعدو الإسرائيلي. لا ينفع معنا التهديد ولا القوة. سلاح المقاومة هو حقّنا المشروع الذي كفلته الشرائع السماوية والقوانين الدولية”.
إسرائيل تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان
رغم وقف إطلاق النار، أكّد قاسم أن إسرائيل ارتكبت أكثر من 3700 خرق للاتفاق، في وقت لم يُنفّذ فيه جيش الاحتلال سوى انسحاب جزئي من الجنوب اللبناني، ولا يزال يحتل خمس تلال لبنانية استولى عليها خلال المواجهات الأخيرة.
كما تواصل إسرائيل احتلالها أراضي لبنانية وسورية وفلسطينية منذ عقود، ما يعزز – وفق رواية الحزب – مبررات استمرار التسلّح والمقاومة.
الدولة اللبنانية وسلاح حزب الله
الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون، الذي التقى المبعوث الأمريكي باراك في يونيو الماضي، أكد في أكثر من مناسبة التزامه بمبدأ “حصرية السلاح بيد الدولة”.
لكنه شدد في إبريل الماضي على أن تنفيذ هذا المبدأ “يتطلب ظروفًا ملائمة” و”يجب أن يتم عبر الحوار”، في إشارة إلى تعقيد الملف داخليًا، وصعوبة فرض أي حل بالقوة.
ويرى مراقبون أن قيادة الجيش اللبناني، التي تحظى بدعم أميركي وأوروبي متزايد، تواجه ضغوطًا للقيام بدور أكبر في فرض سلطة الدولة، لكنها في الوقت نفسه تدرك حساسية الدخول في مواجهة مباشرة مع “حزب الله”، خصوصًا في ظل غياب توافق سياسي داخلي شامل.
حسابات الداخل اللبناني وسلاح حزب الله
وفق تقارير يعيش الداخل اللبناني انقسامًا عميقًا حول ملف السلاح. بعض القوى تعتبره الضمانة الوحيدة لمواجهة التهديد الإسرائيلي، بينما ترى فيه أطراف أخرى سببًا لاستمرار العزلة الدولية عن لبنان، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
هذا الانقسام يعقّد المشهد أمام أي تسوية مستقبلية، خصوصًا أن “حزب الله” لا يُظهر أي بوادر للتراجع، بل على العكس، يوظف الخطاب الديني والمقاوم لتكريس سردية “السلاح كحق شرعي غير قابل للتفاوض”.
واشنطن تنتظر نوفمبر
المهلة الأمريكية غير المعلنة، والتي يُعتقد أنها تنتهي في نوفمبر المقبل، تشكل نقطة ضغط إضافية على بيروت. فالإدارة الأمريكية، وفق دبلوماسيين غربيين، تُريد تحقيق اختراق حقيقي في ملف “نزع السلاح” ضمن حزمة ترتيبات إقليمية تشمل لبنان، وسوريا، وغزة.
لكن موقف “حزب الله”، بحسب محللين، يُظهر بوضوح أن الحزب يتعامل مع هذه المهلة بوصفها “فخًا سياسيًا”، ولن يقبل الدخول فيها ما لم تكن هناك ضمانات تتعلق بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية، ووقف الخروقات، ورفع الحصار المفروض على الحزب داخليًا وخارجيًا.
بين فشل التسوية وخطر الانفجار
في ظل هذا التشابك، يبدو أن لبنان يتجه إلى أحد خيارين إما تسوية سياسية تتضمن مقاربة تدريجية لسلاح الحزب، أو انفجار داخلي جديد يعيد فتح جبهة الجنوب، خاصة إذا ما قررت إسرائيل أن “المهلة انتهت” دون نتيجة.
حتى ذلك الحين، تبقى معادلة “السلاح مقابل الحماية” قائمة في خطاب “حزب الله”، ويبدو أن أي تغيير فيها لا يمكن أن يحدث إلا عبر اتفاق شامل يشمل الضمانات الأمنية والحدود والمقاومة، وهو ما لا يبدو متاحًا في الأفق القريب.
اقرأ أيضا.. مهلة لتسليم نفسه.. هل تنجح حماس في إنهاء ميليشيا ياسر أبو شباب؟