تراجع أم مناورة.. ماذا تريد إيران من زيارة وزير خارجيتها لـ لبنان؟

في توقيت بالغ الحساسية، وفي ظل التصعيد المتبادل على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، حطَّ وزير الخارجية إيران عباس عراقجي في لبنان حاملاً ما وصفه بـ”رسالة دعم واستعداد لفتح صفحة جديدة مع بيروت”.
غير أن أجواء الزيارة لم تمر مرور الكرام، فقد قوبلت بتصريحات لبنانية لافتة حملت في طياتها رسائل مباشرة إلى طهران، مفادها أن زمن التغاضي عن التدخلات الخارجية قد ولّى، وأن لبنان لم يعد يحتمل كلفة تحوّله إلى ساحة صراع إقليمي.
رسالة لبنان إلى إيران
خلال اللقاء الذي جمعه بنظيره اللبناني يوسف رجي، سمع عراقجي كلامًا صريحًا عن أولوية استقرار لبنان، وضرورة احترام سيادته واستقلال قراره الوطني.
وبحسب وسائل إعلام فإن الوزير اللبناني قال بوضوح لنظيره الإيراني: “لبنان يعوّل على حرص إيران على أمنه وسلمه الأهلي، تمكينًا له من تجاوز التحديات”، مؤكداً في الوقت نفسه أن الدولة اللبنانية مصممة على بسط سلطتها على كامل أراضيها، وعلى حصر السلاح بيدها – في إشارة لا تخلو من دلالات إلى سلاح “حزب الله”، الحليف الأبرز لإيران داخل لبنان.
هذا الموقف، وإن جاء بصيغة دبلوماسية، يُعبّر عن تحوّل ملموس في خطاب الدولة اللبنانية، التي بدت في هذه المرحلة أكثر جرأة في التعبير عن ضرورة إنهاء حالة التداخل بين العمل السياسي والقرار العسكري خارج الدولة، وهو تداخل لطالما مثّل ركيزة أساسية للنفوذ الإيراني في لبنان.
إيران تستشعر التغيير في لبنان
في المقابل، بدا عراقجي حريصًا على تهدئة المخاوف، إذ أكد أن زيارته تهدف إلى “فتح صفحة جديدة في العلاقة مع لبنان”، وأن بلاده تحترم شؤون لبنان الداخلية ولا تتدخل فيها.
وقد تكون هذه التصريحات انعكاسًا لقراءة إيرانية واقعية لمعادلات داخلية وإقليمية بدأت تتغير، لا سيما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وما خلفته من توترات داخلية، إلى جانب الضغوط الغربية المتزايدة بشأن سلاح حزب الله.
تراجع أم مناورة؟
السؤال الذي يفرض نفسه: هل تعني تصريحات عراقجي أن إيران بصدد مراجعة جادة لسياستها في لبنان؟ أم أن ما قيل في بيروت لا يعدو كونه مناورة دبلوماسية هدفها امتصاص الضغط، وتجنّب الدخول في مواجهة مباشرة مع الدولة اللبنانية في هذا التوقيت الحرج؟
حزب الله في عين العاصفة
التحوّلات التي يشهدها الداخل اللبناني، بدءاً من تصاعد الأصوات المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، مروراً بضعف الغطاء الشعبي الذي كان يحظى به “حزب الله”، ووصولاً إلى موقف رسمي أكثر تماسكاً في التعبير عن رفض الوصاية الخارجية – كل ذلك يُضعف من قدرة الحزب على المناورة السياسية، ويضع إيران في موقف حرج.
وفق تقارير فإن الرسالة اللبنانية كانت واضحة وهي أن السيادة غير قابلة للتجزئة، والمصلحة الوطنية تعلو على حسابات المحاور.
ولعل هذه الرسالة تجد صدىً حتى داخل الأوساط الشيعية، التي باتت بدورها تدفع ثمن التورط في ملفات خارجية، وتئن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلاد.
رسالة رئيس لبنان لوزير خارجية إيران
وفق وسائل إعلام لبنانية، فإن الرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي استقبل عراقجي، أبدى انفتاحًا على تعزيز العلاقات الثنائية.
وشدد على أن الحوار وحده هو المدخل لحل الخلافات، رافضًا أي خطاب تصعيدي أو عنفي، ومؤكداً أن الأولوية اليوم هي لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة ووفق القوانين اللبنانية المرعية.
اختبار نوايا إيران تجاه لبنان
وفق مراقبون فإن زيارة عراقجي إلى بيروت، بكل ما حملته من عناوين مطمئنة، تبقى حتى الآن في إطار الأقوال لا الأفعال. فالاختبار الحقيقي لنوايا إيران سيكون في مدى استعدادها لاحترام القرار اللبناني المستقل، والقبول بتراجع نفوذها العسكري لمصلحة الدولة اللبنانية.
فهل تكون بيروت بداية لتحوّل حقيقي في سلوك إيران بالمنطقة؟ أم مجرد محطة جديدة في لعبة النفوذ المستمرة؟ الأيام القادمة وحدها تحمل الجواب.
اقرأ أيضًا: انشقاق يضرب حكومة نتنياهو.. هل تتجه إسرائيل إلى انتخابات مبكرة؟