ترامب يواجه اختبارًا واقعيًا بالشرق الأوسط.. الخليج يحدد السياسة الأمريكية الخارجية

مع انطلاق جولة الرئيس دونالد ترامب التي تستمر ثلاثة أيام وتشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، يُواجه حقيقةً: ليس هو من يُشكل الشرق الأوسط، بل الخليج يحدد السياسة الأمريكية.

ووفقا لمقال الكاتب الأمريكي سيمون تيسدال بالجارديان، ما كان يُفترض أن يكون انتصارًا دبلوماسيًا لترامب قد يُسلط الضوء على أوجه القصور العميقة في نهج الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة.

إعلان

 الخليج يحدد السياسة الأمريكية

اعتاد ترامب فرض أجندته وإملاء شروطه، لكن الديناميكيات في الخليج تتغير. يتمتع قادة المنطقة، وخاصة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بنفوذ غير مسبوق على السياسات الأمريكية – سواءً في قضايا مثل صراع غزة أو سوريا أو إيران.

وبحسب مقال تيسدال، لم يكن اعتماد ترامب على دول الخليج في الشراكات الاقتصادية والنفط والأمن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ومع ذلك، فإن تكلفة دعمهم تأتي مع مطالب كبيرة، سيكون ترامب مُلزمًا بتلبيتها، وليس العكس.

من القضايا الرئيسية التي سيواجهها ترامب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي لا يزال دون حل رغم سنوات من التدخل الأمريكي. وبينما سبق لترامب أن دافع عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي من خلال اتفاقيات إبراهيم، أوضحت المملكة العربية السعودية أن أي تقدم في هذه الاتفاقيات يتوقف على مسار قابل للتطبيق نحو إقامة دولة فلسطينية.

يتناقض هذا بشكل صارخ مع الموقف المتشدد للحكومة الإسرائيلية تجاه هذه القضية، لا سيما في أعقاب التصعيد الأخير في غزة. وقد يدفعه نهج ترامب، الذي يتسم بالإهمال وعدم الحساسية، إلى مأزق يضطره فيه إلى الاختيار بين الحفاظ على علاقته بإسرائيل أو ضمان دعم الخليج لأهداف إقليمية أوسع.

تحول في السياسات الأمريكية تجاه غزة وسوريا

شهد موقف ترامب تجاه غزة وسوريا، المتأثر بشدة بضغوط الخليج، تحولات كبيرة. ففي الأسابيع الأخيرة، تراجع الرئيس عن دعمه السابق للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ونأى بنفسه عن المواقف المتشددة تجاه إيران.

تأتي هذه التغييرات في أعقاب ضغوط كبيرة من قادة الخليج، الذين حثّوا على اتباع نهج أكثر توازناً. إن انتقادات المملكة العربية السعودية الصريحة للوضع في غزة، بما في ذلك وصفها للعنف المستمر بأنه “إبادة جماعية”، لا تترك لترامب مجالاً كبيراً للمناورة.

كما تدفع دول الخليج باتجاه تغيير في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث تحرص على التعامل مع حكومة الشرع، على الرغم من العقوبات الأمريكية ومعارضة إسرائيل.

تكشف هذه التطورات عن حدود نهج ترامب “أمريكا أولاً”، الذي يُعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية المحلية والصفقات التجارية على الاستراتيجية الجيوسياسية. إن تناقض الرئيس واعتماده على النفوذ المالي الخليجي قد يجعله عرضة لمطالب المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالتفاوض مع إيران ومعالجة الأزمة في غزة.

أقرا أيضا.. جولة جديدة من مباحثات أمريكا وإيران في سلطنة عمان.. هل تكون الأخيرة؟

المصالح الاقتصادية والسعي وراء صفقات الاستثمار

يُعدّ تركيز ترامب على إبرام صفقات بمليارات الدولارات جانباً رئيسياً آخر من زيارته للشرق الأوسط. ونظرًا للدور المحوري الذي تلعبه صناديق الثروة السيادية الخليجية في الاستثمارات العالمية، فإن ترامب حريص على الاستفادة من هذا المصدر من رأس المال.

حصلت إدارته بالفعل على التزام استثماري بقيمة تريليون دولار من السعودية، ومن المتوقع إبرام المزيد من الصفقات خلال زيارته. وتُعد علاقة ترامب بدول الخليج علاقة تعاقدية إلى حد كبير، مع تركيز على المكاسب الاقتصادية بدلاً من الانتصارات الدبلوماسية.

تُعدّ رغبته في إبقاء أسعار النفط منخفضة وتأمين صفقات الأسلحة مع المملكة العربية السعودية جزءًا من جهد أوسع لضمان استمرار تدفق الاستثمارات الخليجية إلى الاقتصاد الأمريكي.

ومع ذلك، فإن هذه الصفقات الاقتصادية تأتي مع مجموعة من التحديات الخاصة بها. إن احتمالية صفقة استثمارية بقيمة 600 مليار دولار من المملكة العربية السعودية وإمكانية إبرام اتفاقية أمنية أمريكية سعودية أمران مهمان، ولكن يجب على ترامب موازنة هذه التطلعات مع مطالب قادة الخليج بشأن قضايا مثل إيران وفلسطين.

ثمن الدعم الخليجي

إذا أراد ترامب ضمان دعم الخليج لأجندته الأوسع – سواءً في التجارة أو الاستثمار أو الأمن – فسيحتاج إلى تقديم شيء مهم في المقابل. قد يُشكّل إحياء محتمل للاتفاق النووي الأمريكي الأوروبي لعام 2015 مع إيران ورقة مساومة، مما يسمح لترامب بتقديم نفسه على أنه “رئيس السلام” الذي يدّعيه.

ومع ذلك، يتطلب هذا تحولًا في السياسة الأمريكية واستعدادًا لمواجهة موقف إسرائيل المتشدد تجاه إيران وفلسطين.

بالنسبة لترامب، فإن المخاطر في الشرق الأوسط كبيرة. تتوقف قدرته على تأمين صفقات اقتصادية مواتية والحفاظ على الاستقرار في المنطقة على علاقته بدول الخليج. لكن هذه العلاقة ليست علاقة متكافئة.

مع دخول ترامب في محادثات مع قادة الخليج، يواجه حقيقةً مفادها أنهم، أكثر من أي وقت مضى، هم من يتحكمون في الأمور، وعليه أن يتعامل مع شبكة دقيقة من المطالب والتوقعات.

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى