جفاف غير مسبوق يضرب سوريا.. هل تنزلق دمشق نحو المجاعة؟

تشهد سوريا موجة جفاف هى الأسوأ منذ ستة عقود، ما ينذر بكارثة غذائية وشيكة تُهدِّد حياة أكثر من 16 مليون شخص، وفقًا لتحذيرات صادرة عن الأمم المتحدة.
وتقول منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إن نحو 2.5 مليون هكتار من المساحات المزروعة بالقمح تضرَّرت بشدة، ما جعل الإنتاج الزراعي لهذا العام على حافة الانهيار.
ووفق وسائل إعلام، قالت هيا أبو عساف، مساعدة ممثل “الفاو” في سوريا، إن موجة الجفاف والظروف المناخية الحالية في سوريا هي “الأسوأ منذ ستين عاماً”، مشيرة إلى أن نسبة الضرر طالت نحو 75% من الأراضي الزراعية، و95% من محاصيل القمح البعل، بينما انخفض إنتاج القمح المروي بنسبة 30 إلى 40%.
من الاكتفاء الذاتي إلى الاستيراد القسري
قبل اندلاع النزاع عام 2011، كانت سوريا تحقق اكتفاءً ذاتيًا من القمح، بإنتاج بلغ 4.1 مليون طن سنويًا. إلا أن سنوات الحرب أنهكت الزراعة وأضعفت البنية التحتية وأدت إلى انقسام السيطرة على الأراضي الزراعية، ما دفع السلطات السورية إلى الاستيراد، خصوصاً من روسيا.
وبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، لا تزال الحكومة السورية المؤقتة تعتمد على الحليف الروسي، حيث وصلت شحنات قمح مؤخراً إلى مرفأي اللاذقية وطرطوس، بينما أرسلت العراق 220 ألف طن من القمح كمساعدة إنسانية عاجلة.
جفاف سوريا وصراع سنابل القمح
في شمال وشمال شرقي سوريا، تصاعد التنافس بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية الكردية على شراء محاصيل القمح، في محاولة لتأمين احتياجات الخبز وسط تدنٍ حاد في الإنتاج.
الحكومة السورية حددت سعر طن القمح بين 290 و320 دولاراً، مع مكافأة إضافية بقيمة 130 دولاراً للطن، في خطوة تهدف إلى تشجيع المزارعين على تسليم محصولهم للمؤسسة العامة للحبوب.
بالمقابل، أعلنت الإدارة الذاتية تحديد سعر الطن بـ420 دولاراً، يتضمن دعماً مباشراً بقيمة 70 دولاراً، في محاولة لجذب الفلاحين وتعزيز الإنتاج المحلي.
تقديرات مقلقة للموسم الحالي بسبب جفاف سوريا
تتوقع وزارة الزراعة السورية حصاد ما بين 300 و350 ألف طن من القمح هذا الموسم، في حين تسعى المؤسسة العامة للحبوب لشراء 250 إلى 300 ألف طن فقط.
وقال مديرها حسن عثمان وفق وسائل إعلام سورية: “الاكتفاء الذاتي غير محقق، لكننا نعمل على توفير الأمن الغذائي من خلال استيراد القمح وطحنه في مطاحننا”.
مأساة المزارعين في سوريا
في ريف عامودا شمال شرقي سوريا، يقول أحد المزارعين إن الموسم الزراعي هذا العام كان كارثياً. فبالرغم من استخدامه الري ست مرات بمضخات مائية غاصت إلى عمق 160 متراً، فإن السنابل نمت قصيرة، والإنتاج كان ضعيفاً والحبوب صغيرة.
وأوضح أن تراجع منسوب المياه الجوفية دفع المزارعين إلى حافة العجز: “ما لم يُقدّم لنا الدعم، فلن نستطيع الاستمرار. نحن نسير نحو المجهول، ولا يوجد بديل آخر. الناس يعانون من الفقر والجوع”.
دفاف سوريا يهدد بكارثة متعددة الأوجه
لا تقتصر تداعيات الجفاف على محصول القمح وحده، بل تطال أيضاً القطاعات الحيوانية والمراعي الطبيعية. وتشير “الفاو” إلى أن تدهور المراعي سيؤثر سلباً على ملايين رؤوس الماشية، ما يعمّق أزمة الأمن الغذائي في الريف السوري.
ويأتي ذلك في وقت يعاني فيه السوريون من أوضاع اقتصادية كارثية بعد 14 عاماً من الحرب، حيث يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
يحذر خبراء من أن استمرار تجاهل أزمة القمح والجفاف في سوريا قد يدفع البلاد نحو مجاعة حقيقية خلال الأشهر المقبلة. ويطالبون المجتمع الدولي بتقديم دعم مباشر وعاجل للقطاع الزراعي السوري، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة يصعب احتواؤها.