د. محمد راشد : شركة “المشروع الواحد” أزمة تهدد مصير الشركات العقارية بالسوق المصري
صرح الدكتور محمد راشد – عضو مجلس إداره غرفة صناعة التطوير العقاري ، أنه في ظل التحديات الاقتصادية الحالية التي تشهدها صناعه العقار في مصر ، توجهت شركات التطوير العقاري نحو تبنى نموذج “شركة المشروع الواحد” كإستراتيجية أكثر تحوطًا ضد العديد من المخاطر والتحديات الاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد المحلي بشكل عام وتشهدها الصناعة العقارية في مصر علي وجه التحديد.
وأكد راشد ، بأن هذا التوجه يرتبط بالعديد من الأسباب والعوامل التي تجعل هذا النموذج جذابًا في الظروف الحالية من وجهة نظر بعض شركات التطوير العقاري ومناسب لسياساتها خلال الفتره الحالية والقادمة ، إلا أنه من وجهه نظر ثانية قد يبدو أمرًا مقلقًا نظرًا لأنه يحرم تلك الشركات من تحقيق خطوات توسعية مستقبلية ، وزيادة حجم أعمالها وإستثماراتها.
وتبرهن شركات التطوير العقاري التي تتبني هذا التوجه بآنه يحقق لها عده مزايا علي الأمد المتوسط ، منها تحديدا تقليل المخاطر المالية،وذلك لأن تطوير مشروع واحد في وقت واحد يقلل من المخاطر المالية المرتبطة بإدارة محفظة كبيرة من المشاريع، يمكن للشركة التركيز على مشروع واحد، مما يجعل إدارة التكاليف والمخاطر أكثر فعالية ، هذا بجانب تحقيق تركيز الموارد، لأنه بدلاً من توزيع الموارد المالية والموارد البشرية على مشاريع متعددة، يمكن للشركة أن تستثمر كل طاقاتها في مشروع واحد، و هذا يساعد في تحسين جودة المشروع ويساهم في تحقيق أفضل النتائج ، كما يسهم هذا السيناريو في تحسين التدفق النقدي.
وذلك لأنه من خلال التركيز على مشروع واحد فإن ذلك يسمح بإدارة أفضل للتدفق النقدي، كما يمكن للشركة ضمان استمرارية التمويل وتحقيق عوائد مالية أكبر من خلال إكمال المشروع وتسويقه بنجاح، هذا بالاضافه إلي تحقيق التكيف مع تغيرات السوق، حيث أنه في بيئة اقتصادية غير مستقرة، يمكن أن يكون من الصعب التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية للسوق، وبالتالي فإن تطوير مشروع واحد يتيح للشركة التكيف بشكل أسرع مع التغيرات في الطلب والأسواق ، وآخيرا بناء سمعة قويه، حيث أن النجاح في مشروع واحد يمكن أن يعزز سمعة الشركة في السوق، مما يجعلها أكثر قدرة على جذب المستثمرين والعملاء للمشاريع المستقبلية.
وأوضح راشد ، أنه منذ عام 2020 ، حدثت العديد من التحولات والتي بدأت من ظهور جائحه كورونا ، والتي بكل تأكيد تمخض عنها العديد من التحديات الاقتصادية التي كانت في معظمها أقوي وأكبر بكثير من قدرة الشركات والكيانات الإقتصادية والمالية علي مواجهتها.
وبكل تأكيد كان القطاع العقاري في مصر أكثر القطاعات الاقتصادية التي تأثرت من تلك الأزمات الإقتصادية المتعاقبة منذ جائحة كورونا وحتي الآن، وفي 2022 بدأت الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من متغيرات على الساحة المالية والنقدية ، وما تبعها من سياسات تحريك هيكل أسعار الفائدة بمعرفة الفيدرالي الأمريكي ، وتبعه بالتبعيه العديد من البنوك المركزية في محاولة للحاق بركب زيادة سعر الفائدة حتى تستطيع التماسك قدر الإمكان وجذب استثمارات أجنبية كثيرة.
وبكل تأكيد كان لرفع سعر الفائدة انعاكسة واضحاً على السوق العقاري في مصر، وخلال فتره الأربعة سنوات الماضية قام البنك المركزي المصري بدوره كما هو الحال في كثير من الدول بتحريك هيكل أسعار الفائدة ، ومن هنا تفاقمت المشكلة الحقيقة للسوق العقاري المصري بوجه عام ، ولشركات التطوير العقاري على وجه التحديد، وتمثلت هذه التحديات في العديد من الصور منها ، قدره العديد من الشركات علي استكمال العملية البنائية والإنشاءيه للعديد من المشروعات، وكذلك ارتفاع الوزن النسبي لقيمة الأرض مقارنة بإجمالي التكاليف الاستثمارية للمشروع، حيث وصل الوزن النسبي بما يفوق الـ40% ووصلت إلى 50% في بعض الأحيان، هذا بالإضافة إلى التغير المستدام في أسعار الفائدة على أقساط الأراضي بمعرفة هيئة المجتمعات العمرانية ووزارة المالية مما زاد من أعباء قيمة الأرض الاجمالية والزام المطورين بسداد قيمة الارض على 4 سنوات فقط وهو عبء مالي كبير في ضوء إجمالي التكلفة الاستثمارية ، لا تستطيع العديد من شركات التطوير العقاري المصرية علي تحمل هذا العبء ، وبخاصه الشركات حديثة العهد في مجال التطوير العقاري.
وذكر راشد ، أن هناك تحدي أخر يؤرق شركات التطوير العقاري ، ويجعل الكثير منها يتجه نحو التفكير في الإكتفاء بتطوير مشروع عقاري واحد ، وهو ارتفاع فائدة الإقتراض من الجهاز المصرفي نتيجه سلسلة إرتفاعات الفائدة التي إنتهجتها كافة البنوك المركزية مؤخرا لمواجهة شبح التضخم، وبالتالي لم تعد شركات التطوير العقاري قادرة على زيادة رؤوس الأموال لإرتفاع حجم التدفقات النقدية والسيولة المطلوبة لاتمام العملية الانتاجية للعقارات بسبب ارتفاع مستويات التضخم، هذا بجانب أن عدم قدرة العديد من المطورين العقاريين في الحصول على قروض من الجهاز المصرفي لتمويل مشروعات الأوف بلان، من أهم المشكلات المالية التي تم بسببها إرجاء تنفيذ كثير من البرامج الزمنية لتنفيذ المشروعات، هذا بجانب غياب عنصر تمويلي هام ومحفز قوي لخلق الطلب العقاري، وهو عدم إتاحة التمويل العقاري للأفراد كما هو الحال في كل دول العالم، إلا أن المطور قام بدور الممول لسنوات تفوق الـ10 سنوات في بعض الأحيان، وبالتالي فإن كل هذه المشكلات والتحديات توضح حقيقه التحدي أمام صناعه التطوير العقاري في مصر ، ويعرقل مستهدفات كل شركة عقارية ، وبخاصة الشركات الكبري في السوق ، وبالتأكيد تضاعفت الأزمة بالنسبة للشركات حديثه العهد في صناعة التطوير العقاري.
واستكمل راشد ، بأنه الأن هناك تحديات عقارية حقيقية بدأت ترمي بظلالها على كافة المعاملات في هذا القطاع الأكثر تأثيرا في المنظومة الاقتصادية المصرية والذي يمثل 22% من الناتج القومي للدولة باجمالي مبيعاته تصل إلى تريليون جنيه سنويًا، وقد جاءت المؤشرات الاقتصادية الأخيرة، خاصة مؤشر مدير المشتريات لتؤكد على أرض الواقع بأن هناك طلبًا حقيقًا مدعومًا بقدرات شرائية كثيرة من قبل المواطنين سواء بالرغبه الحقيقية في الاستثمار أو للحفاظ علي قيمه مدخراتهم من التآكل السريع في مواجهه نسب التضخم الآخذه في الإرتفاع بشكل غير مسبوق، وهو ما تأكده حركة البيع والشراء في السوق المصري خلال الربع الأول وبداية الربع الثاني من العام الجاري الحالي، والتي لم تتناقص عن مثيلاتها في 2023، بل بالعكس ربما تتزايد خاصة مع بدأ موسم الساحل الشمالي الغربي ، والذي بكل تأكيد يعطي دفعه قوية لمبيعات القطاع العقاري نحو التزايد ، والتي مازالت في انتظار المشترين الجدد من مصريين وعرب ، هذا بجانب تزايد نسبه مشتريات المصريين العاملين بالخارج في ظل الانخفاض الحقيقي الذي شهده السوق المصري للعملة الوطنية «الجنيه» وهو ما مثل ميزة نسبية وتنافسية لمشتريات هذه الفئه ، وكذلك دفع مشتريات الأجانب للعقارات المصريه نحو التزايد.
وفيما يتعلق بسيناريوهات الحل التي ربما تساعد في إنتشال هذا القطاع الاقتصادي الهام من عثرته ، تتمثل في في اتاحة التمويل العقارى لشراء الوحدات تحت الإنشاء والاهتمام بتصدير العقار ودعم الصناعة المحلية لمواد البناء، ومنح القروض المصرفية بضمان الشركات العقارية ومشروعاتها وليس بضمان شيكات العملاء المشترين، لمنح المطورين فرصة لتنفيذ نسب إنشائية مقبولة قبل بدء عمليات البيع، ودراسه مدي إمكانيه الاتجاه للبيع بعد التنفيذ، حيث أن ذلك قد يساهم في تقليل مخاطر ارتفاع التكلفة ويبعث رسالة طمأنينة لكل من المشترين والجهات المانحة بأن أموالهم في أمان، هذا بجانب ضروره بدء تفعيل العمل بمنظومة التمويل العقاري للمطورين كبداية لحل الأزمة الراهنة لتمويل الوحدات العقارية تحت الإنشاء، وكذا الإسراع بوتيرة الإجراءات الخاصة بالتمويل العقاري للمشترين من الأفراد، وتقدم راشد بمقترح لإنشاء منصه لأسعار مواد البناء وفي حال ارتفاع الأسعار لا يتحمل العميل أكثر من 5% من الزيادات الجديدة، وذلك لأن التحديات التى مر بها السوق العقارى مؤخرا، والمتمثلة في زيادة التكلفة وثبات سعر الوحدات أدت لتأكل أرباح الشركات العقارية نتيجة لقيام الشركات بتحمل فارق الأسعار بين التكلفة والمبيعات، حيث أن كثرة المبيعات أصبحت عبء آخر على الشركات نتيجة لتغير تكلفة الإنشاء.
كما قال راشد ، أنه أيضا من ضمن الأمور التي تستدعي التفكير جديا لدعم صناعه العقار ، ضروره تأجيل تحصيل الفائدة المقررة على الأرض لمدة لا تقل عن عامين خاصة مع ارتفاع تكلفة التمويل، وإن كان الوقت الحالى يتطلب تأجيل تحصيل الأقساط لمدة مماثلة أو سداد أقساط الأراضى دون سداد لقيمة الفائدة على أقصى تقدير، مع وضع آلية محددة لسعر الفائدة المفروضة على الأرض بنسبة ثابتة لا تزيد على 10%، موضحًا أن ربط سعر الفائدة المقررة من البنك المركزى بسعر فائدة الأرض غير منطقى، كونه يتسبب فى سحب سيولة كبيرة من الشركات في حين لو تم توجيهها للإنشاءات ستحقق معدل دوران اسرع وأكثر لرأس المال.