دبلوماسية الهاتف المعطل.. تناقضات ترامب تزيد الغموض حول أزمة أوكرانيا

أثارت الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي بذلها دونالد ترامب، لا سيما بين روسيا وأوكرانيا، مخاوف متزايدة بشأن التناقضات في قراءة مكالمات ترامب مع القادة الأجانب، مما أدى إلى ارتباك واحتمال سوء تفسير.

بدت مكالمات الرئيس الأمريكي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في بعض الأحيان، أشبه بلعبة “الهاتف المعطل”، مع تفسيرات متباينة وتصريحات متضاربة من كلا الجانبين.

بينما يسعى ترامب إلى وقف إطلاق نار جزئي في أوكرانيا، تثير هذه التناقضات مخاوف من أن اتفاق السلام الذي تشتد الحاجة إليه قد يكون أبعد منالاً مما يوحي به خطابه المتفائل.

قراءة مكالمات ترامب: تناقضات وسوء الفهم

في أعقاب مكالمة ترامب مع بوتين يوم الثلاثاء، أعلن الرئيس الأمريكي أن الزعيمين اتفقا على وقف إطلاق نار جزئي يشمل أهدافًا في قطاعي “الطاقة والبنية التحتية”، مما يشير إلى وقف الهجمات على المنشآت المدنية مثل المستشفيات والجسور والسكك الحديدية.

مع ذلك، بعد ساعات، قصفت طائرة روسية بدون طيار مستشفىً أوكرانيًا، مما أثار تساؤلات فورية حول دقة تفسير ترامب، إلا أن مصادر روسية زعمت أن وقف إطلاق النار ينطبق فقط على “البنية التحتية للطاقة”، تاركًا أهدافًا أخرى عرضة للهجوم.

ازداد الوضع غموضًا مع رفض السكرتير الصحفي للبيت الأبيض توضيح تفاصيل المناقشة، مُحيلًا الصحفيين إلى البيان الرسمي للإدارة دون التطرق إلى ما إذا كان ترامب قد أساء فهم طبيعة الاتفاق.

أدى غياب الشفافية المحيط بهذه المكالمات إلى تفاقم المخاوف، لا سيما وأن ترامب اقترح لاحقًا خصخصة محطات الطاقة الأوكرانية بقيادة أمريكية، وهو اقتراح رفضه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الفور.

أوضح زيلينسكي أن بلاده لم تناقش مثل هذه الخطوة مع ترامب قط، مؤكدًا أن أي تدخل أمريكي محتمل سيقتصر على الاستثمارات، وليس الملكية.

قراءة مكالمات ترامب: عواقب سوء الفهم

تاريخ ترامب في وصف المناقشات الدبلوماسية المعقدة بعبارات مبالغ فيها موثق جيدًا. أثارت مكالمته الهاتفية “المثالية” السابقة مع زيلينسكي، والتي أدت إلى تحقيق في قضية عزله، دهشة واسعة لما تضمنته من إيحاءات بمقايضة.

بالمثل، أحاطت تقارير متضاربة بمكالماته الأخيرة مع بوتين، حيث طالب الكرملين بوقف المساعدات العسكرية الأجنبية لأوكرانيا، وهو موضوع نفى ترامب بشدة مناقشته له.

صرح ترامب قائلاً: “لم أتحدث عن المساعدات إطلاقًا”، مما زاد من غموض الرواية. وقد أثار عدم الوضوح بشأن جوهر المناقشات قلقًا متزايدًا، لا سيما مع استمرار تكتم اتصالات ترامب.

الجدير بالذكر أن تفاصيل مكالماته مع بوتين وقادة أجانب آخرين لا تزال طي الكتمان إلى حد كبير، حيث لم يُدلِ سوى قلة مختارة، مثل قطب العقارات ستيف ويتكوف، بتعليقات علنية، واصفين المكالمات بأنها “ملحمية” و”تحويلية”.

اقرأ أيضا.. من الخوف إلى الفخر.. كيف تحول “المطلوب” في سوريا إلى وسام شرف؟

الدفع نحو المفاوضات في الرياض

في الأسبوع المقبل، ستأخذه دبلوماسية ترامب المكوكية إلى الرياض لإجراء مفاوضات بالغة الأهمية مع المسؤولين الروس.

في حين كُلِّف المفاوضون الأمريكيون، بمن فيهم مستشار الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو، بتقديم قراءة “دقيقة”، يُحذِّر الخبراء من أن قلة خبرتهم قد تُشكِّل عائقًا.

يتمتع فريق التفاوض الروسي، بقيادة دبلوماسيين مُحنَّكين ومسؤولي استخبارات سابقين مثل سيرجي لافروف ويوري أوشاكوف، بخبرة تمتد لعقود في المحادثات رفيعة المستوى، مما يُثير مخاوف من أن الفريق الأمريكي قد يُواجَه بضعفٍ في هذه اللحظة الدبلوماسية الحرجة.

وصف الجنرال كيث كيلوج، مبعوث ترامب إلى أوكرانيا، الاجتماعات المُقبلة في الرياض بأنها شكلٌ من أشكال الدبلوماسية المكوكية، حيث تجتمع مجموعة من المفاوضين في غرفة وأخرى في غرفة مُنفصلة، ​​في محاولةٍ للتوصل إلى اتفاق من خلال مناقشاتٍ مُتبادلة.

قد يُثبت هذا النهج عدم فعاليته ما لم يتمكن المفاوضون الأمريكيون من سدِّ الفجوة المعرفية وتجاوز تعقيدات الصراع الدائر.

مخاطر السذاجة وسوء التفسير

أبرز رد الفعل على تعليقات ويتكوف، الذي أعرب فيه عن اعتقاده بأن بوتين كان يتصرف بحسن نية عقب المكالمة الهاتفية، التباين في الخبرة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا.

سخر بعض أعضاء اليمين الوطني المتشدد في روسيا من ويتكوف، واصفين إياه بـ”الساذج”، وسخروا من الغرب لأخذه الادعاءات الروسية على محمل الجد. يعكس هذا الشعور المخاوف العميقة بشأن مصداقية النهج الأمريكي، لا سيما وأن اللاعبين الدبلوماسيين الروس الراسخين يجلسون على الجانب الآخر من الطاولة مقابل المفاوضين الأمريكيين الذين ما زالوا يتصارعون مع تفاصيل الصراع.

الخبرة في مواجهة التفاؤل

بينما يستعد الفريق الأمريكي للمفاوضات المقبلة في الرياض، يبقى السؤال الحاسم: هل سيتمكن من حشد الخبرة اللازمة للتواصل مع الدبلوماسيين الروس الذين أمضوا سنوات في التعامل مع تعقيدات الصراع الأوكراني؟

بخبرة تمتد لعقود في الدبلوماسية، يُتوقع من الفريق التفاوضي الروسي أن يبذل قصارى جهده لتحقيق مصالحه الخاصة، مما يضع الولايات المتحدة في موقف حرج إن لم تتمكن من تجاوز الضمانات المبهمة والتصريحات المتفائلة.

يبقى مستقبل الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا على المحك. فالتناقضات بين تفسيرات ترامب ومضمون محادثاته الفعلي تزيد من حالة عدم اليقين، ويظل خطر سوء الفهم الكارثي قائمًا.

مع استمرار تطور الوضع، يكمن التحدي في قدرة الولايات المتحدة على تغيير نهجها إلى نهج أكثر رسوخًا في تعقيدات المنطقة، بدلًا من الاعتماد على الخطاب الاندفاعي والتفاؤل الجامح اللذين ميّزا تعاملات ترامب السابقة.

زر الذهاب إلى الأعلى