دول الخليج تستحوذ على 35% من ديون الأسواق الناشئة المقومة بالدولار

أفادت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أن دول الخليج أصبحت خلال الربع الأول من عام 2025 من بين أبرز اللاعبين في أسواق الدين العالمية، حيث ساهمت بأكثر من 35% من إجمالي ديون الأسواق الناشئة المقومة بالدولار، وذلك باستثناء الصين، ويُعد هذا الارتفاع مقارنة بنسبة 25% المسجلة في عام 2024 مؤشراً واضحاً على تسارع وتيرة انخراط دول الخليج في أسواق الدين الدولية.
وأكدت الوكالة أن هذا الاتجاه مرشح للاستمرار خلال عامي 2025 و2026، في ظل استمرار الدول الخليجية في تبني استراتيجيات تمويل جديدة تواكب طموحاتها التنموية وخططها الاقتصادية متوسطة وطويلة الأمد.
عوامل تدفع نحو التوسع في سوق ديون الأسواق الناشئة
وبحسب تقرير آخر لـ “فيتش” صدر في فبراير الماضي، فإن توسع أسواق الدين في الخليج مدفوع بعدة عوامل رئيسية، على رأسها تنويع مصادر التمويل، وتوفير السيولة اللازمة لتمويل المشاريع الكبرى والبنى التحتية، إلى جانب الاستفادة من تراجع أسعار الفائدة العالمية المتوقع خلال الفترة المقبلة.
وأشارت الوكالة إلى أن المبادرات الحكومية الخليجية الرامية إلى تطوير أسواق الدين الإقليمية تمثل دافعاً محورياً لهذا النمو.
ويشمل ذلك أيضاً تعزيز أدوات التمويل الإسلامي مثل الصكوك، والتي باتت خياراً مفضلاً للعديد من الشركات والمؤسسات المالية في المنطقة.
أرقام قياسية في بداية 2025
وسلطت “فيتش” الضوء على الأداء القوي لأسواق الدين الخليجية مع بداية العام الجاري، حيث تجاوزت الإصدارات من جميع العملات مستوى تريليون دولار حتى نهاية يناير 2025، مسجلة نمواً سنوياً بنسبة 10% مقارنة بعام 2024.
ويعكس هذا الرقم القياسي اتساع قاعدة المصدرين وتنوع أدوات التمويل المستخدمة.
وتوقعت الوكالة أن تصدر البنوك الخليجية وحدها ديوناً مقومة بالدولار تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار خلال عام 2025، مستفيدة من التحسن في ظروف التمويل العالمي، وزيادة الطلب على الأوراق المالية الصادرة من المنطقة، لاسيما من قبل المستثمرين الباحثين عن العوائد الثابتة وسط تقلبات السوق.
الشركات تدخل على خط التمويل
لم تعد الحكومات وحدها اللاعب الرئيسي في أسواق الدين الخليجية، إذ باتت العديد من الشركات الكبرى في المنطقة تنشط في إصدار الصكوك والسندات.
وتهدف هذه الشركات إلى تنويع مصادر دخلها، وتعزيز استدامة تمويلها، لاسيما في قطاعات مثل الطاقة، والخدمات المالية، والعقارات، والتكنولوجيا.
وتعد هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية أوسع لتقليل الاعتماد على التمويل التقليدي والاقتراض المباشر من البنوك، في وقت تزداد فيه شهية المستثمرين المحليين والدوليين للاستثمار في أدوات الدين الخليجية، خاصة تلك التي تحظى بتصنيف ائتماني جيد.
السعودية والإمارات في صدارة المشهد
رغم النمو العام لأسواق الدين في الخليج، إلا أن “فيتش” نبهت إلى أن المشهد لا يزال مجزأً بين الدول، حيث تستأثر السعودية والإمارات بالحصة الأكبر من الإصدارات.
فقد استحوذت السعودية على 44.8% من إجمالي إصدارات الدين في المنطقة، تليها الإمارات بنسبة 29.9%، ثم قطر بنسبة 12.8%. أما البحرين، وعُمان، والكويت، فلكل منها حصة تقارب 4% فقط.
ويعزى هذا التفاوت إلى تفاوت حجم الاقتصاد، ودرجة تطور الأسواق المالية المحلية، ومرونة الأنظمة التنظيمية، فضلاً عن حجم المشروعات الاستثمارية في كل دولة.
أسعار النفط وبيئة الفائدة المنخفضة تدعمان النمو
ووفقاً لتحليل “فيتش”، فإن تراجع أسعار النفط قد يلعب دوراً مزدوجاً في تسريع نمو أسواق الدين الخليجية.
فمن جهة، يؤدي انخفاض الإيرادات الحكومية إلى زيادة الحاجة للاقتراض لسد العجز في الميزانيات، ومن جهة أخرى، يتوقع أن تتبع البنوك المركزية الخليجية خطوات الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة، مما يهيئ بيئة تمويلية مواتية للإصدارات الجديدة.
كما أن البيئة النقدية الأكثر مرونة تساهم في تخفيض تكلفة الاقتراض، وتعزز قدرة الشركات والمؤسسات على التوسع والتمويل، سواء داخلياً أو عبر الأسواق العالمية.
اقرأ أيضًا.. علم الصحراء 10 .. تدريب عسكري جوي لدول الخليج بهدف تطوير التكتيكات العسكرية
توقعات بمزيد من الدين الخليجي بالدولار
في ظل المؤشرات الإيجابية الحالية، تشير التقديرات إلى أن حجم الديون الخليجية المقومة بالدولار سيستمر في الارتفاع خلال الأعوام القادمة، لا سيما مع استمرار البنوك والمؤسسات المالية في استغلال ظروف السوق العالمية.
كما أن استمرار التوجه نحو التحول الاقتصادي والاعتماد على أدوات التمويل الحديثة سيزيد من وتيرة هذه الإصدارات، مما يجعل المنطقة لاعباً رئيسياً في الأسواق الناشئة، ومصدراً مهماً للأوراق المالية بالدولار.
في المحصلة، تعكس بيانات وكالة “فيتش” تحوّل دول الخليج إلى مركز مالي ناشئ في سوق الديون العالمية، معزّز بالنمو الاقتصادي، وتوجهات التنويع، والسياسات المالية المستقرة.